"وأضف إلى ذلك أن هذا الحزب ; بصرف النظر عما يرمي إليه من إصلاح العالم ; وبث الخير والفضيلة في أنحاء الأرض كافة، لا يقدر أن يبقى ثابتاً على خطته، متمسكاً بمنهاجه، عاملاً وفق مقتضياته ما دام نظام الحكم قائماً على أساس آخر، سائراً على منهاج غير منهاجه. وذلك أن حزباً مؤمناً بمبدأ ونظام للحياة والحكم خاص، لا يمكن أن يعيش متمسكاً بمبدئه عاملاً حسب مقتضاه في ظل نظام للحكم مؤسس على مبادئ وغايات غير المبادى ء والغايات التي يؤمن بها، ويريد السير على منهاجها. فإن رجلاً يؤمن بمبادئ الشيوعية، إن أراد أن يعيش في بريطانيا أو ألمانيا، متمسكاً بمبدئه، سائراً في حياته على البرنامج الذي تقرره الشيوعية، فلن يتمكن من ذلك أبداً، لأن النظم التي تقررها الرأسمالية أو الناتسية تكون مهيمنة عليه، قاهرة بما أوتيت من سلطان، فلا يمكنه أن يتخلص من براثنها أصلا.. وكذلك إن أراد المسلم أن يقضي حياته مستظلاً بنظام للحكم مناقض لمبادئ الإسلام الخالدة وبوده أن يبقى مستمسكاً بمبادئ الإسلام، سائراً وفق مقتضاه في أعماله اليومية، فلن يتسنى له ذلك، ولا يمكنه أن ينجح في بغيته هذه أبداً. لأن القوانين التي يراها باطلة، والضرائبالتي يعتقدها غرماً ونهبا لأموال الناس، والقضايا التي يحسبها جائرة عن الحق وافتئاتاً على العدل، والنظم التي يعرف أنها مبعث الفساد في الأرض، ومناهج التعليم التي يجزم بوخامة عاقبتها وسوء نتائجها، ويرى فيها هلاكاً للأمة.. يجد كل هذه مهيمنة عليه، ومسيطرة على بيئته وأهله وأولاده، بحيث لا يمكنه أن يتخلص من قيودها وينجو بنفسه وأهله من أثرها ونفوذها. فالذي يؤمن بعقيدة ونظام - فرداً كان أو جماعة - مضطر بطبيعة عقيدته وإيمانه بها أن يسعى سعيه في القضاء على نظم الحكم القائمة على فكرة غير فكرته، ويبذل الجهد المستطاع في إقامة نظام للحكم مستند إلى الفكرة التي يؤمن بها ; ويعتقد أن