"لعلك تبينت مما أسلفنا آنفاً أن غاية [ ] الجهاد في الإسلام، هي هدم بنيان النظم المناقضة لمبادئه، وإقامة حكومة مؤسسة على قواعد الإسلام في مكانها واستبدالها بها. وهذه المهمة.. مهمة إحداث انقلاب إسلامي عام. غير منحصرة في قطر دون قطر. بل مما يريده الإسلام، ويضعه نصب عينيه أن يحدث هذا الانقلاب الشامل في جميع أنحاء المعمورة.. هذه غايته العليا، ومقصده الأسمى الذي يطمح إليه ببصره. إلا أنه لا مندوحة للمسلمين، أو أعضاء "الحزب الإسلامي" عن الشروع في مهمتهم بإحداث الانقلاب المنشود، والسعي وراء تغيير نظم الحكم في بلادهم التي يسكنونها. أما غايتهم العليا وهدفهم الأسمى فهو الانقلاب العالمي الشامل [ ] المحيط بجميع أنحاء الأرض. وذلك أن فكرة انقلابية لا تؤمن بالقومية، بل تدعو الناس جميعاً إلى سعادة البشر وفلاح الناس أجمعين، لا يمكنها أصلاً أن تضيق دائرة عملها في نطاق محدود من أمة أو قطر. بل الحق أنها مضطرة بسجيتها وجبلتها أن تجعل الانقلاب العالمي غايتها التي تضعها نصب عينها، ولا تغفل عنها طرفة عين. فإن الحق يأبى الحدود الجغرافية، ولا يرضى أن ينحصر في حدود ضيقة اخترعها علماء الجغرافية واصطلحوا عليها. فالحق يتحدى العقول البشرية النزيهة. ويقول لها مطالباً بحقه: ما بالكم تقولون: إن القضية الفلانية "حق" في هذا الجانب من ذاك الجبل أو النهر مثلاً ; ثم تعود القضية نفسها "باطلاً" - بزعمكم - إذا جاوزنا ذاك الجبل أو النهر بأذرع ؟! الحق حق في كل حال وفي كل مكان ! وأي تأثير للجبال والأنهار في تغيير حقيقته المعنوية ؟! الحق ظله وارف، وخيره عام شامل، لا يختص ببيئة دون بيئة، ولا قطر دون قطر. فأينما وجد "الإنسان" مقهوراً فالحق من واجبه أن يدركه ويأخذ بحقه وينتصر له. ومهما أصيبت "الإنسانية " في أبنائها المستضعفين، فعلى العدل ومبادئهوالحاملين للوائه أن يلبوا نداءها، ويأخذوا بناصرهم


الصفحة التالية
Icon