ومضى رسول الله ( ﷺ ) حتى إذا كان دون بدر أتاه الخبر بمسير قريش. فاستشار الناس، فقام أبو بكر - رضي الله عنه - فقال فأحسن. ثم قام عمر فقال فأحسن. ثم قال: يا رسول الله، إنها والله قريش وعزها، والله ما ذلت منذ عزت، والله ما آمنت منذ كفرت، والله لا تسلم عزها أبداً، ولتقاتلنك، فأتهب لذلك أهبته، وأعد لذلك عدته. ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله، امض لأمر الله، فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيها: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون. ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا معكما مقاتلون. والذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا [ وبرك الغماد موضع بأقصى اليمن ] فقال له رسول الله ( ﷺ ) خيراً ودعا له بخير.. ثم قال:" أشيروا علي أيها الناس ". وإنما يريد الأنصار.. وكان يظنهم لا ينصرونه إلا في الدار، لأنهم شرطوا له أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأولادهم [ وذلك في بيعة العقبة الثانية التي هاجر على أساسها رسول الله ( ﷺ ) إلى المدينة ] فقام سعد بن معاذ - رضي الله عنه - فقال: أنا أجيب عن الأنصار، كأنك يا رسول الله تريدنا ! قال:" أجل ". قال: إنك عسى أن تكون قد خرجت عن أمر قد أوحي إليك في غيره [ يعني كما يبدو أنك ربما تكون قد خرجت لأمر ثم أوحي إليك في غيره إذ كان قد خرج للعير ثم عرض النفير ]، فإنا قد آمنا بك، وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به حق، فأعطيناك مواثيقنا وعهودنا على السمع والطاعة. فامض يا نبي الله لما أردت. فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما بقي منا رجل. وصل من شئت، واقطع من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت ; وما أخذت من أموالنا أحب إلينا مما تركت. والذي نفسي بيده ما سلكت هذا الطريق قط، وما لي بها من علم ; وما نكره أن نلقى عدونا غداً، وإنا لصبر عند الحرب