وأما الاحتمال الثاني : وهو أن يكون المراد من الأنفال شيئاً سوى الغنائم، فعلى هذا التقدير في تفسير الأنفال أيضاً وجوه : أحدها : قال ابن عباس في بعض الروايات : المراد من الأنفال ما شذ عن المشركين إلى المسلمين من غير قتال، من دابة أو عبد أو متاع، فهو إلى النبي ﷺ يضعه حيث يشاء، وثانيها : الأنفال الخمس الذي يجعله الله لأهل الخمس، وهو قول مجاهد، قال : فالقوم إنما سألوا عن الخمس.
فنزلت الآية، وثالثها : أن الأنفال هي السلب وهو الذي يدفع إلى الغازي زائداً على سهمه من الغنم، ترغيباً له في القتال، كما إذا قال الإمام :"من قتل قتيلاً فله سلبه" أو قال لسرية ما أصبتم فهو لكم، أو يقول فلكم نصفه أو ثلثه أو ربعه، ولا يخمس النفل، وعن سعد بن أبي وقاص أنه قال : قتل أخي عمير يوم بدر فقتلت به سعد بن العاصي وأخذت سيفه فأعجبني فجئت به إلى رسول الله ﷺ، فقلت إن الله تعالى قد شفى صدري من المشركين فهب لي هذا السيف.
فقال :"ليس هذا لي ولا لك أطرحه في الموضع الذي وضعت فيه الغنائم" فطرحته وبي ما يعلمه الله من قتل أخي وأخذ سلبي، فما جاوزت إلا قليلاً حتى جاءني رسول الله ﷺ وقد أنزلت سورة الأنفال فقال : يا سعد "إنك سألتني السيف وليس لي وإنه قد صار لي فخذه" قال القاضي : وكل هذه الوجوه تحتمله الآية، وليس فيها دليل على ترجيح بعضها على بعض.
وإن صح في الأخبار ما يدل على التعين قضى به، وإلا فالكل محتمل، وكما أن كل واحد منها جائز، فكذلك إرادة الجميع جائزة فإنه لا تناقض بينها، والأقرب أن يكون المراد بذلك ماله عليه السلام أن ينفل غيره من جملة الغنيمة قبل حصولها وبعد حصولها، لأنه يسوغ له تحريضاً على الجهاد وتقوية للنفوس كنحو ما كان ينفل واحداً في ابتداء المحاربة.
ليبالغ في الحرب.
أو عند الرجعة.


الصفحة التالية
Icon