قال القاضي أبو محمد : وهذا القول بعيد عن الآية غير ملتئم مع الأسباب المذكورة، بل يجيء خارجاً عن يوم بدر، وقال مجاهد :﴿ الأنفال ﴾ في الآية الخمس، قال المهاجرون : لم يخرج منا هذا الخمس، فقال الله تعالى هو لله وللرسول، وهذا أيضاً قول قليل التناسب مع الآية، وقال ابن عباس وعطاء أيضاً :﴿ الأنفال ﴾ في الآية ماشد من أموال المشركين إلى المسلمين كالفرس والغاير والعبد الآبق هو للنبي صلى الله عليه سولم يصنع فيه ما شاء، وقال ابن عباس أيضاً :﴿ الأنفال ﴾ في الآية ما أصيب من أموال المشركين بعد قسمة الغنيمة هو لله ورسوله.
قال القاضي أبو محمد : وهذان القولان لا تخرج بهما الآية عن الأسباب التي رويت في يوم بدر ولا تختص الآية بيوم بدر على هذا، وكأن هاتين المقالتين إنما هي فيما ناله الجيش دون قتال وبعد تمام الحرب وارتفاع الخوف، وأولى هذه الأقوال وأوضحها القول الأول الذي تظاهرت الروايات بأسبابه وناسبه الوقت الذي نزلت الآية فيه، وحكى النقاش عن الشعبي أنه قال :﴿ الأنفال ﴾ الأسارى.
قال القاضي أبو محمد : وهذا إنما هو على جهة المثال فيعني كل ما يغنم، ويحسن في تفسير هذه الآية أن نذكر شيئاً من اختلاف العلماء في تنفيل الإمام لمن رآه من أهل النجدة والغناء وما يجوز من ذلك وما يمتنع وما لهم في السلب من الاختلاف، فقالت فرقة لا نفل بعد النبي ﷺ، وقال الجمهور : النفل باق إلى يوم القيامة، ينفل إمام الجيش ما رآه لمن رآه لكن بحسب الاجتهاد والمصلحة للمسلمين ليحض الناس على النجدة وينشطهم إلى مكافحة العدو والاجتهاد في الحرب، ثم اختلفوا فقال ابن القاسم عن مالك في المدونة : إنما ينفل الإمام من الخمس لا من جملة الغنيمة، وينفل في أول المغنم وفي آخره بحسب اجتهاده، وقالت فرقة : إنما ينفل الإمام قبل القتال، وأما إذا جمعت الغنائم فلا نفل.