فانظر إلى ابن عباس رضي الله عنه، كيف استشكل علي عثمان رضي الله عنه أمرين: وضع الأنفال وبراءة في أثناء السبع الطوال، مفصولاً بهما بين السادسة والسابعة، ووضع الأنفال وهي قصيرة مع السور الطويلة وانظر كيف أجاب عثمان رضي الله عنه أولاً بأنه لم يكن عنده في ذلك توقيف، فإِنه استند إلى اجتهاد، وأنه قرن بين الأنفال وبراءة لكونها شبيهة بقصتها في اشتمال كل منهما على القتال، ونبذ العهود، وهذه وجه بين المناسبة جلى، فرضى الله عن الصحابة، ما أدق أفهامهم! ما أدق أفهامهم! وأجزل آراءهم! وأعظم أحلامهم! وأقول: يتم بيان مقصد عثمان رضي الله عنه في ذلك بأمور فتح الله بها: الأول: أنه جعل الأنفال قبل براءة مع قصرها، لكونها مشتملة على البسملة، فقدمها لتكون لفظة منها، وتكون براءة بخلوها منها كتتمتها وبقيتها، ولهذا قال جماعة من السلف: إن الأنفال وبراءة سورة واحدة، لا سورتان الثاني: أنه وضع براءة هنا لمناسبة الطول، فإنه ليس في القرآن بعد الأعراف أنسب ليونس طولاً منها، وذلك كاف في المناسبة الثالث: أنه خلَّل بالسورتين الأنفال وبراءة أثناء السبع الطوال المعلوم ترتيبها في العصر الأول، للإشارة إلى أن ذلك أمر صادر لا عن توقيف، وإلى أن رسول الله ﷺ قبض قبل أن يبين محلهما، فوضعا كالموضع المستعار بين السبع الطوال، بخلاف ما لو وضعتا بعد السبع الطوال، فإنه كان يوهم أن ذلك محلهما بتوقيف، وترتيب السبع الطوال يرشد إلى دفع هذه الوهم فانظر إلى هذه الدقيقة التي فتح الله بها، ولا يغوص عليها إلا غواص الرابع: أنه لو أخرهما وقدم يونس، وأتى بعد براءة بهود، كا في مصحف أبي بن كعب، لمراعاة مناسبة السبع الطوال، وإيلاء بعضها بعضاً، لفات مع ما أشرنا إليه أمر آخر آكد في المناسبة فإن الأولى بسورة يونس أن تولى بالسور الخمس التي بعدها، لما اشتركت فيه من الاشتمال على القصص، ومن الافتتاح بالذكر، وبذكر الكتاب، ومن كونها


الصفحة التالية
Icon