وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ ﴾
الاستغاثة : طلب الغَوْث والنَّصر.
غوّث الرجل قال : واغوثاه.
والاسم الغَوْث والغُوَاث والغَوَاث.
واستغاثني فلان فأغثته ؛ والاسم الغِياث ؛ عن الجوهري.
وروى مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال :" لما كان يوم بدر نظر رسول الله ﷺ إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وسبعة عشر رجلاً ؛ فاستقبل نبيّ الله ﷺ القِبلة، ثم مدّ يديه، فجعل يهتف بربه :"اللهم أنجز لي ما وعدتني.
اللهم ائتني ما وعدتني.
اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض".
فما زال يهتف بربه مادّاً يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكِبيه.
فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه وقال : يا نبيّ الله، كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك " فأنزل الله تعالى :﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فاستجاب لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الملائكة مُرْدِفِينَ ﴾ فأمدّه الله بالملائكة.
وذكر الحديث.
﴿ مُرْدِفِينَ ﴾ بفتح الدال قراءة نافع.
والباقون بالكسر اسم فاعل، أي متتابعين، تأتي فرقة بعد فرقة، وذلك أهْيب في العيون.
و"مُرْدَفين" بفتح الدال على ما لم يسم فاعله ؛ لأن الناس الذين قاتلوا يوم بدر أردفوا بألف من الملائكة، أي أنزلوا إليهم لمعونتهم على الكفار.
فمردَفين بفتح الدال نعت لألف.
وقيل : هو حال من الضمير المنصوب في "مُمِدُّكُم".
أي ممدّكم في حال إردافكم بألف من الملائكة ؛ وهذا مذهب مجاهد.
وحكى أبو عبيدة أنّ رَدِفني وأردفني واحد.
وأنكر أبو عبيدة أن يكون أردف بمعنى ردِف ؛ قال لقول الله عز وجل :﴿ تَتْبَعُهَا الرادفة ﴾ [ النازعات : ٧ ] ولم يقل المُردِفَةُ.
قال النحاس ومَكِّيّ وغيرهما : وقراءة كسر الدال أولى ؛ لأن أهل التأويل على هذه القراءة يفسرون.


الصفحة التالية
Icon