المسألة الثانية :
قوله :﴿مِن بَيْتِكَ﴾ يريد بيته بالمدينة أو المدينة نفسها، لأنها موضع هجرته وسكناه بالحق، أي إخراجاً متلبساً بالحكمة والصواب ﴿وَإِنَّ فَرِيقاً مّنَ المؤمنين لَكَِّرِهُونَ﴾ في محل الحال، أي أخرجك في حال كراهيتهم.
روي أن عير قريش أقبلت من الشام وفيها أموال كثيرة ومعها أربعون راكباً منهم أبو سفيان، وعمرو بن العاص، وأقوام آخرون، فأخبر جبريل رسول الله ﷺ، فأخبر المسلمين فأعجبهم تلقي العير لكثرة الخير، وقلة القوم، فلما أزمعوا وخرجوا، بلغ أهل مكة خبر خروجهم، فنادى أبو جهل فوق الكعبة : يا أهل مكة النجاء النجاء على كل صعب وذلولا إن أخذ محمد عيركم لن تفلحوا أبداً، وقد رأت أخت العباس بن عبد المطلب رؤيا، فقالت لأخيها : إني رأيت عجباً رأيت كأن ملكاً نزل من السماء فأخذ صخرة من الجبل، ثم حلق بها فلم يبق بيت من بيوت مكة إلا أصابه حجر من تلك الصخرة.
فحدث بها العباس.
فقال أبو جهل : ما ترضى رجالهم بالنبوة حتى ادعى نساؤهم النبوةا فخرج أبو جهل بجميع أهل مكة وهم النفير، وفي المثل السائر لا في العير ولا في النفير فقيل له : العير أخذت طريق الساحل ونجت، فارجع إلى مكة بالناس.
فقال : لا والله لا يكون ذلك أبداً حتى ننحر الجزور ونشرب الخمور، وتغني القينات والمعازف ببدر فتتسامع جميع العرب بخروجنا، وإن محمداً لم يصب العير فمضى إلى بدر بالقوم.
وبدر كانت العرب تجتمع فيه لسوقهم يوماً في السنة، فنزل جبريل وقال : يا محمد إن الله وعدكم إحدى الطائفتين، إما العير وإما النفير من قريش، واستشار النبي ﷺ أصحابه فقال :"ما تقولون إن القوم خرجوا من مكة على كل صعب وذلول.
فالعير أحب إليكم أم النفير ؟ قالوا بل العير أحب إلينا من لقاء العدو.