وقال الثعلبى :
﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النعاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ ﴾
قرأ مجاهد وابن كثير وأبو عمرو : يغشيكم بفتح الياء النعاس رفع على أن الفعل له واحتجّوا بقوله في سورة آل عمران ﴿ أَمَنَةً نُّعَاساً يغشى طَآئِفَةً مِّنْكُمْ ﴾ [ آل عمران : ١٥٤ ] فجعل الفعل له.
وقرأ أهل المدينة يغشيكم بضم الياء مخففة على أن الفعل لله عزّ وجلّ ليكون موافقاً لقوله ( وينزل وليطهركم ) واحتجّوا بقوله تعالى ﴿ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ ﴾ [ يونس : ٢٧ ].
وقرأ عروة بن الزبير والحسن وأبو رجاء وعكرمة والجحدري وعيسى وأهل الكوفة : يُغشّيكم بضمّ الياء مشدّداً.
فاختاره أبو عبيد وأبو حاتم : لقوله ﴿ فَغَشَّاهَا مَا غشى ﴾ [ النجم : ٥٤ ] والنعاس النوم تخفيف. وقال أبو عبيدة : هو ابتداء القوم : أمنة بفتح الميم قراءة العامّة، وقرأ أبو حياة وابن محيصن : أمنة بسكون الميم وهو مصدر قولك : أمنت من كذا أمناً وأمنة وأمانة وكلّها بمعنى واحد فلذلك نصب.
قال عبد الله بن مسعود : النعاس في القتال أمنة من الله عزّ وجلّ وفي الصلاة من الشيطان ﴿ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السمآء مَآءً ﴾ وذلك أن المسلمين نزلوا كثيباً أخضر ببدر يسوخ فيه الأقدم وحوافر الدواب وسبقهم المشركون إلى ماء بدر العظمى وغلبوهم عليه وأصبح المسلمون بعضهم محدثين وبعضهم مجنبين وأصابهم الظمأ ووسوس لهم الشيطان فقال تزعمون أن فيكم نبي الله وأنّكم أولياء الله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم تُصلّون مجنبين ومحدثين فكيف ترجون أن يظفركم عليهم.
قال : فأرسل الله عزّ وجلّ مطراً سال منه الوادي فشرب منه المؤمنون واغتسلوا وتوضّأوا وسقوا الركاب وملؤوا الأسقية وأطفى الغبار ولبّد الأرض حتّى ثبّت عليه الأقدام وزالت وسوسة الشيطان وطابت أنفسهم فذلك قوله ﴿ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السمآء مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ﴾ من الأحداث والجنابة.


الصفحة التالية
Icon