قوله :﴿ واضربوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ قال الزجاج : واحد البنان بنانة، وهي هنا الأصابع وغيرها من الأعضاء، والبنان مشتق من قولهم أبنّ الرجل بالمكان إذا أقام به، لأنه يعمل بها ما يكون للإقامة والحياة.
وقيل المراد بالبنان هنا : أطراف الأصابع من اليدين والرجلين وهو عبارة عن الثبات في الحرب.
فإذا ضربت البنان تعطل من المضروب القتال، بخلاف سائر الأعضاء.
قال عنترة :
وقد كان في الهيجاء يحمي ذمارها... ويضرب عند الكرب كل بنان
وقال عنترة أيضاً :
وإن الموت طوع يدي إذا ما... وصلت بنانها بالهندواني
قال ابن فارس : البنان الأصابع، ويقال الأطراف، والإشارة بقوله :﴿ ذلك ﴾ إلى ما وقع عليهم من القتل، ودخل في قلوبهم من الرعب، وهو مبتدأ، و ﴿ بِأَنَّهُمْ شَاقُّواْ الله وَرَسُولَهُ ﴾ خبره، أي ذلك بسبب مشاقتهم.
والشقاق أصله أن يصير كل واحد من الخصمين في شق، وقد تقدّم تحقيق ذلك ﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب ﴾ له، يعاقبه بسبب ما وقع منه من الشقاق.
قوله :﴿ ذلكم فَذُوقُوهُ وَأَنَّ للكافرين عَذَابَ النار ﴾ الإشارة إلى ما تقدّم من العقاب، أو الخطاب هنا للكافرين، كما أن الخطاب في قوله :﴿ ذلكم ﴾ للنبي ﷺ، أو لكل من يصلح للخطاب.
قال الزجاج : ذلكم رفع بإضمار الأمر أو القصة، أي الأمر أو القصة ذلكم فذوقوه.
قال : ويجوز أن يضمر واعلموا.
قال في الكشاف : ويجوز أن يكون نصباً على عليكم ذلكم فذوقوه، كقولك زيداً فاضربه.
قال أبو حيان : لا يجوز تقدير عليكم لأنه اسم فعل، وأسماء الأفعال لا تضمر، وتشبيهه بزيداً فاضربه غير صحيح ؛ لأنه لم يقدّر فيه عليك، بل هو من باب الاشتغال.


الصفحة التالية
Icon