وقال ابن عطية :
﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ ﴾
العامل في ﴿ إذ ﴾ هو العامل الذي عمل في قوله ﴿ وإذ يعدكم ﴾ [ الأنفال : ٧ ] بتقدير تكراره لأن الاشتراك في العامل الأول نفسه لا يكون إلا بحرف عطف، وإنما القصد أن تعدد نعمة الله تعالى على المؤمنين في يوم بدر فقال : واذكروا إذ فعلنا كذا وقال الطبري : العامل في ﴿ إذ ﴾ قوله ﴿ ولتطمئن ﴾ [ الأنفال : ١٠ ].
قال القاضي أبو محمد : وهذا مع احتماله فيه ضعف، ولو جعل العامل في ﴿ إذ ﴾ شيئاً قريباً مما قبلها لكان الأولى في ذلك أن يعمل في ﴿ إذ ﴾ ﴿ حكيم ﴾ [ الأنفال : ١٠ ] لأن إلقاء النعاس عليهم وجعله أمنة حكمة من الله عز وجل، وقرأ نافع " يُغْشيكم " بضم الياء وسكون الغين وهي قراءة الأعرج وأبي حفص وابن نصاح، وقرأ عاصم وحمزة وابن عامر والكسائي " يغَشِّيكم " بفتح الغين وشد الشين المكسورة وهي قراءة عروة بن الزبير وأبي رجاء والحسن وعكرمة وغيرهم، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو " يَغشاكم " بفتح الياء وألف بعد الشين وهي قراءة مجاهد وابن محيصن وأهل مكة " النعاسُ " بالرفع، وحجة من قرأ " يغشاكم " إجماعهم في آية أحد على ﴿ يغشى طائفة منكم ﴾ [ آل عمران : ١٥٤ ]، وحجة من قرأ " يغشيكم " أن يجيء الكلام متسقاً مع ﴿ ينزل ﴾، ومعنى ﴿ يغشيكم ﴾ يغطيكم به ويفرغه عليكم، وهذه استعارة و﴿ النعاس ﴾ أخف النوم وهو الذي قد يصيب الإنسان وهو واقف أو ماشٍ، وينص على ذلك قصص هذه الآية أنهم إنما كان بهم خفق في الرؤوس، وقول النبي ﷺ " إذا نعس أحدكم في صلاته " الحديث، وينص على ذلك قول الشاعر [ ابن الرقاع ] :[ الكامل ]
وسنان أقصده النعاس فرنّقت... في عينه سِنَةٌ وليس بنائم


الصفحة التالية
Icon