وهذا هو إخلاص الاعتقاد بوحدانية الله ؛ وإخلاص العبادة له دون سواه فما يمكن أن يجتمع في قلب واحد، توحيد الله والتوكل على أحد معه سبحانه. والذين يجدون في قلوبهم الاتكال على أحد أو على سبب يجب أن يبحثوا ابتداء في قلوبهم عن الإيمان بالله!
وليس الاتكال على الله وحده بمانع من اتخاذ الأسباب. فالمؤمن يتخذ الأسباب من باب الإيمان بالله وطاعته فيما يأمر به من اتخاذها ؛ ولكنه لا يجعل الأسباب هي التي تنشئ النتائج فيتكل عليها. إن الذي ينشئ النتائج - كما ينشئ الأسباب - هو قدر الله. ولا علاقة بين السبب والنتيجة في شعور المؤمن.. اتخاذ السبب عبادة بالطاعة.
وتحقق النتيجة قدر من الله مستقل عن السبب لا يقدر عليه إلا الله.. وبذلك يتحرر شعور المؤمن من التعبد للأسباب والتعلق بها ؛ وفي الوقت ذاته هو يستوفيها بقدر طاقته لينال ثواب طاعة الله في استيفائها.
ولقد ظلت الجاهلية " العلمية! " الحديثة تلج فيما تسميه " حتمية القوانين الطبيعية ". ذلك لتنفي " قدر الله " وتنفي " غيب الله ". حتى وقفت في النهاية عن طريق وسائلها وتجاربها ذاتها، أمام غيب الله وقدر الله وقفة العاجز عن التنبؤ الحتمي! ولجأت إلى نظرية " الاحتمالات " في عالم المادة. فكل ما كان حتمياً صار احتمالياً. وبقي " الغيب " سراً مختوماً. وبقي قدر الله هو الحقيقة الوحيدة المستيقنة ؛ وبقي قول الله - سبحانه - ﴿ لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً ﴾ هو القانون الحتمي الوحيد، الذي يتحدث بصدق عن طلاقة المشيئة الإلهية من وراء القوانين الكونية التي يدبر الله بها هذا الكون، بقدره النافذ الطليق!
يقول سير جيمس جينز الإنجليزي الأستاذ في الطبيعيات والرياضيات :