وقال ابن عطية :
قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً ﴾ الآية،
﴿ زحفاً ﴾ يراد به متقابلي الصفوف والأشخاص، أي يزحف بعضهم إلى بعض، وأصل الزحف الاندفاع على الألية ثم سمي كل ماش إلى آخر في الحرب رويداً زاحفاً، إذ في مشيته من التماهل والتباطؤ ما في مشي الزاحف، ومن الزحف الذي هو الاندفاع قولهم لنار العرفج وما جرى مجراه في سرعة الاتقاد نار الزحفتين ومن التباطؤ في المشي قول الشاعر :[ البسيط ]
كأنهنَّ بأيدي القومِ في كَبدٍ... طير تكشف عن جون مزاحيف
ومنه قول الفرزدق :[ البسيط ]
على عمائمنا تُلقى وأرجلنا... على مزاحيف تزجى مخها رير
ومنه قول الآخر [ الأعشى ] :[ الطويل ]
لمن الظعائن سَيْرُهُنَّ تَزَحُّفُ... ومن التزحف بمعنى التدافع قول الهذلي :[ الوافر ]
كان مزاحف الحيّات فيه... قبيل الصبح آثار السباط
وأمر الله عز وجل في هذه الآية أن لا يولي المؤمنون أمام الكفار، وهذا الأمر مقيد بالشريطة المنصوصة في مثلي المؤمنين، فإذا لقيت فئة من المؤمنين فئة هي ضعف المؤمنة من المشركين فالفرض أن لا يفروا أمامهم، فالفرار هناك كبيرة موبقة بظاهر القرآن والحديث وإجماع الأكثر من الأمة، والذي يراعى العدد حسب ما في كتاب الله عز وجل : وهذا قول جمهور الأمة، وقالت فرقة منهم ابن الماجشون في الواضحة : يراعى أيضاً الضعف والقوة والعدة فيجوز على قولهم أن تفر مائة فارس إذا علموا أن عند المشركين من العدة والنجدة والبسالة ضعف ما عندهم، وأمام أقل أو أكثر بحسب ذلك وأما على قول الجمهور فلا يحل فرار مائة إلا أمام ما زاد على مائتين والعبارة بالدبر في هذه الآية متمكنة الفصاحة، لأنها بشعة على الفار ذامة له. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon