ويجوز انتصابهما على الحال، ويكون حرف الاستثناء لغواً لا عمل له.
وجملة ﴿ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مّنَ الله ﴾ جزاء للشرط.
والمعنى : من ينهزم ويفرّ من الزحف، فقد رجع بغضب كائن من الله إلاّ المتحرّف والمتحيز.
﴿ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ﴾ أي : المكان الذي يأوي إليه هو النار.
ففراره أوقعه إلى ما هو أشدّ بلاء مما فرّ منه وأعظم عقوبة.
والمأوى : ما يأوى إليه الإنسان ﴿ وَبِئْسَ المصير ﴾ ما صار إليه من عذاب النار.
وقد اشتملت هذه الآية على هذا الوعيد الشديد لمن يفرّ عن الزحف، وفي ذلك دلالة على أنه من الكبائر الموبقة.
قوله :
﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ ولكن الله قَتَلَهُمْ ﴾ الفاء جواب شرط مقدّر، أي إذا عرفتم ما قصه الله عليكم من إمداده لكم بالملائكة، وإيقاع الرعب في قلوبهم، فلم تقتلوهم ولكنّ الله قتلهم بما يسره لكم من الأسباب الموجبة للنصر.
قوله :﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكن الله رمى ﴾ اختلف المفسرون في هذا الرمى على أقوال : فروي عن مالك أن المراد به : ما كان منه ﷺ في يوم حنين، فإنه رمى المشركين بقبضة من حصباء الوادي، فأصابت كل واحد منهم.
وقيل المراد به : الرمية التي رمى رسول الله ﷺ أبيّ بن خلف بالحربة في عنقه، فانهزم ومات منها.
وقيل المراد به : السهم الذي رمى به رسول الله ﷺ في حصن خيبر، فسار في الهوى حتى أصاب ابن أبي الحقيق، وهو على فراشه.
وهذه الأقوال ضعيفة، فإن الآية نزلت عقب وقعة بدر.
وأيضاً المشهور في كتب السير والحديث في قتل ابن أبي الحقيق : أنه وقع على صورة غير هذه الصورة.
والصحيح كما قال ابن إسحاق وغيره، أن المراد بالرمي المذكور في هذه الآية هو : ما كان منه ﷺ في يوم بدر، فإنه أخذ قبضة من تراب فرمى بها في وجوه المشركين، فأصابت كل واحد منهم ودخلت في عينيه ومنخريه وأنفه.