وقال ابن عاشور :
﴿ ولكن هؤلاء لم يقولوا سمعنا بل قالوا : نحن صم بكم، فلا يصح أن يكونوا هم المرادَ بهذه الآية بل المراد طوائف من المشركين، وقيل : المراد بهم اليهود، وقد عرفوا بهذه المقالة، واجهوا بها النبي ﷺ قال تعالى :{ ويقولون سمعنا وعصينا ﴾ [ النساء : ٤٦ ] وقيل : أريد المنافقون قال تعالى:
﴿ ويقولون طاعةٌ فإذا برزوا من عندك بيّتَ طائفةٌ منهم غير الذي تقول ﴾ [ النساء : ٨١ ] وإنما يقولون سمعنا لقصد إيهام الانتفاع بما سمعوا، لأن السمع يكنى به عن الانتفاع بالسموع وهو مضمون ما حكي عنهم من قولهم ﴿ طاعة ﴾ ولذلك نفي عنهم السمع بهذا المعنى بقوله :﴿ وهم لا يسمعون ﴾ أي لا ينتفعون بما سمعوه، فالمعنى هو معنى السمع الذي أرادوه بقولهم :﴿ سمعنا ﴾ وهو إيهامهم أنهم مطيعون، فالواو في قوله :﴿ وهم لا يسمعون ﴾ واو الحال.
وتقديم المسند إليه على المسند الفعلي للاهتمام به ليتقرر مفهومه في ذهن السامع فيرسخ اتصافه بمفهوم المسند، وهو انتفاء السمع عنهم، على أن المقصود الأهم من قوله :﴿ ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ﴾ هو التعريض بأهل هذه الصلة من الكافرين أو المنافقين لا خشية وقوع المؤمنين في مثل ذلك.
وصيغ فعل ﴿ لا يسمعون ﴾ بصيغة المضارع لإفادة أنهم مستمرون على عدم السمع، فلذلك لم يقل وهم لم يسمعوا. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٩ صـ ﴾