وقال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ إن تستفتحوا ﴾
في سبب نزولها خمسة أقوال.
أحدها : أن أصحاب رسول الله ﷺ استنصروا الله وسألوه الفتح، فنزلت هذه الآية ؛ وهذا المعنى مروي عن أبي بن كعب، وعطاء الخراساني.
والثاني : أن أبا جهل قال : اللهم أينا كان أحب إليك وأرضى عندك فانصره اليوم، فنزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثالث : أن المشركين أخذوا بأستار الكعبة قبل خروجهم إلى بدر، فقالوا : اللهم انصر أعلى الجندين وأكرم القبيلتين ؛ فنزلت هذه الآية، قاله السدي.
والرابع : أن المشركين قالوا : اللهم إنا لا نعرف ما جاء به محمد، فافتح بيننا وبينه بالحق ؛ فنزلت هذه الآية، قاله عكرمة.
والخامس : أنهم قالوا بمكة :﴿ اللهم إن كان هذا هو الحقَّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء...
[ الأنفال : ٣٢ ] الآية فعذِّبوا يوم بدر، قاله ابن زيد.
فخرج من هذه الأقوال أن في المخاطَبين بقوله :﴿ إن تستفتحوا ﴾ قولان.
أحدهما : أنهم المؤمنون.
والثاني : المشركون ؛ وهو الأشهر.
وفي الاستفتاح قولان.
أحدهما : انه الاستنصار، قاله ابن عباس، والزجاج في آخرين.
فإن قلنا : إنهم المسلمون، كان المعنى : إن تستنصروا فقد جاءكم النصر بالملائكة ؛ وإن قلنا : إنهم المشركون ؛ احتمل وجهين.
أحدهما : إن تستنصروا فقد جاء النصر عليكم.
والثاني : إن تستنصروا لأحب الفريقين إلى الله، فقد جاء النصر لأحب الفريقين.
والثاني : أن الاستفتاح : طلب الحكم، والمعنى : إن تسألوا الحكم بينكم وبين المسلمين، فقد جاءكم الحكم ؛ وإلى هذا المعنى ذهب عكرمة، ومجاهد، وقتادة.
فأما قوله :﴿ وإن تنتهوا فهو خير لكم ﴾ فهو خطاب للمشركين على قول الجماعة.
وفي معناه قولان.
أحدهما : إن تنتهوا عن قتال محمد ﷺ والكفر، قاله أبو صالح عن ابن عباس.


الصفحة التالية
Icon