وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الفتح ﴾
شرطٌ وجوابه.
وفيه ثلاثة أقوال : يكون خطاباً للكفار ؛ لأنهم استفتحوا فقالوا : اللَّهُمّ أقطعُنا للرّحم وأظلَمُنا لصاحبه فانصره عليه.
قاله الحسن ومجاهد وغيرهما.
وكان هذا القول منهم وقت خروجهم لنُصرة العير.
وقيل : قاله أبو جهل وقت القتال.
وقال النّضر بن الحارث ؛ اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم.
وهو ممن قتل ببدر.
والاستفتاح : طلب النصر ؛ أي قد جاءكم الفتح ولكنه كان للمسلمين عليكم.
أي فقد جاءكم ما بان به الأمر، وانكشف لكم الحق.
﴿ وَإِن تَنتَهُواْ ﴾ أي عن الكفر ﴿ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾.
﴿ وَإِن تَعُودُواْ ﴾ أي إلى هذا القول وقتال محمد.
﴿ نَعُدْ ﴾ إلى نصر المؤمنين.
﴿ وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ ﴾ أي عن جماعتكم ﴿ شَيْئاً ﴾.
﴿ وَلَوْ كَثُرَتْ ﴾ أي في العدد.
الثاني : يكون خطاباً للمؤمنين ؛ أي إن تستنصروا فقد جاءكم النصر.
وإن "تَنْتَهُوا" أي عن مثل ما فعلتموه من أخذ الغنائم والأسرى قبل الإذن ؛ "فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ".
"وَإنْ تَعُودُوا" أي إلى مثل ذلك نعد إلى توبيخكم.
كما قال :﴿ لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ الله سَبَقَ ﴾ الآية.
والقول الثالث : أن يكون ﴿ إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الفتح ﴾ خطاباً للمؤمنين ؛ وما بعده للكفار.
أي وإن تعودوا إلى القتال نعد إلى مثل وقعة بدر.
القشيري : والصحيح أنه خطاب للكفار ؛ فإنهم لما نَفَرُوا إلى نصرة العير تعلّقوا بأستار الكعبة وقالوا : اللهم انصر أهدى الطائفتين، وأفضل الدِّينين.
المهدوِيّ : وروي أن المشركين خرجوا معهم بأستار الكعبة يستفتحون بها، أي يستنصرون.
قلت : ولا تعارض لاحتمال أن يكونوا فعلوا الحالتين.