ولما كان الإنسان محل النقصان فلا يخلو من زلة أو هفوة، أشار إلى ذلك بقوله :﴿ويكفِّر عنكم سيئاتكم﴾ أي يسترها ما دمتم على التقوى ﴿ويغفر لكم﴾ أي يمحو ما كان منكم غير صالح عيناً وأثراً، وفيه تنبيه لهم على أن السادات على خطر عظيم لأنهم مأمورون بالمساواة بين الناس، والنفس مجبولة على ترجيح من لاءمها على من نافرها، وإشارة إلى أن الحكم بالعدل في أعلى الدرجات لا يتسنمه إلا الفرد النادر، وقوله :﴿والله﴾ أي المحيط بجميع صفات الكمال ﴿ذو الفضل العظيم﴾ مرّج للزيادة على الكفارة والمغفرة من فضله، ومعلم بأنه لا يمتنع عليه شيء، فمن الممكن أن يلزم كلاً منهم طريق العدل وإن كانت من خرق العادة في أعلى محل، وفي الآية أعظم مناسبة لقصة أبي لبابة ـ رضى الله عنهم ـ لأنه لما كان الحامل له على ما فعل بنفسه من العقوبة التقوى، فكفرت عنه خطيئته وغفر له، عقبت بها ترغيباً لغيره في الإسراع بالتوبة عند مواقعة الهفوة، وختم هذه الآية بالفضل على ما كان من نقص، إشارة إلى تفضله سبحانه بما رزق أهل الإسلام من علو المنزلة وانتشار الهيبة وفخامة الأمر في قلوب المخالفين كما هو مشاهد، وختم الآية المحذرة من المداهنة بشديد العقاب، إشارة إلى ما ألبسهم من الأحوال المذكورة في التي تليها من قلة منعتهم واستضعافهم وخوفهم من تخطف المخالفين لهم، ولكنه تعالى رحمهم بأن جعل ذلك من بعضهم ممن يشمله اسم الإسلام لبعض، لا من غيرهم فلبسهم شيعاً وأذاق بعضهم بأس بعض، فكل خائف من الآخر، وصار المتقي من كثرة المخالف لا يزال من المعاطب والمتالف خائفاً يترقب، ومباعداً لا يقرب، على أنهم لا يعدمون أنصاراً يؤيدهم الله بهم، ولا يزال أهل الظلم يختلفون فيما بينهم فيرجع الفريقان إليهم ويعولون عليهم، فمن نصروه فهو المنصور، فكلامهم عند المضايق هو الفرقان، ولهم في قلوب الظالمين هيبة وإن نزلت بهم الحال أكثر مما للظلمة في قلوبهم من
الهيبة ليتيقن الكل أنهم على الحق الذي الله ناصره، وأن أهل الشر على الباطل الذي الله خاذله، قال الحسن البصري رحمه الله في حق العالين في الأرض : أما والله! إن للمعصية في قلوبهم لذلاً وإن طفطف بهم اللحم، فقد انقسم الخوف بينهم نصفين وشتان ما بين الحزبين، فخوفهم يزيدهم الله به أجراً ويجعله لهم ذخراً، وخوف أهل الباطل يزيدهم به وزوراً ويجعله لدينه أزراً، فهذه حقيقة الحال في وصف أهل الحق والمحال. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٢٠٧ ـ ٢٠٩﴾


الصفحة التالية
Icon