النِّظَامِ الْعَامِّ - وَعَلَى هَذَا كُلِّهِ جَرَى السَّلَفُ الصَّالِحُ، وَجَمِيعُ أَئِمَّةِ الْأَمْصَارِ، وَمِنْ كَلَامِهِمْ : إِنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا، وَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يُقَلِّدَ أَحَدًا مُعَيَّنًا فِي دِينِهِ، وَلَكِنْ مَنْ عَرَضَ لَهُ أَمْرٌ يَسْتَفْتِي فِيهِ مَنْ يَطْمَئِنُّ قَلْبُهُ لِعِلْمِهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَيَأْخُذُ بِفَتْوَاهُ إِذَا اطْمَأَنَّ لَهَا. وَقَدِ امْتَنَعَ الْإِمَامُ مَالِكٌ مِنْ إِجَابَةِ الْمَنْصُورِ ثُمَّ الرَّشِيدِ إِلَى مَا عَرَضَاهُ عَلَيْهِ مِنْ إِلْزَامِ النَّاسِ الْعَمَلَ بِكُتُبِهِ، حَتَّى الْمُوَطَّأِ الَّذِي هُوَ سُنَنٌ وَاطَأَهُ جُلُّ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهَا.
أَمَّا مَنْ يَقُولُونَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَتْ تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي عَهْدِهِ، وَلَا يُجِبُ الْعَمَلُ بَعْدَهُ إِلَّا بِالْقُرْآنِ وَحْدَهُ، فَهُمْ زَنَادِقَةٌ ضَالُّونَ مُضِلُّونَ يُرِيدُونَ هَدْمَ الْإِسْلَامِ بِدَعْوَى الْإِسْلَامِ، بَلْ تَجِبُ طَاعَةُ الرَّسُولِ كَمَا أَطْلَقَهَا اللهُ تَعَالَى، وَيَجِبُ التَّأَسِّي بِهِ فِي كُلِّ زَمَانٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، بَلْ نَقُولُ : إِنَّنَا نَهْتَدِي بِخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَأَئِمَّةِ أَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ، وَعُلَمَاءِ أَصْحَابِهِ الْعَامِلِينَ، وَعُلَمَاءِ السَّلَفِ مِنَ التَّابِعِينَ، وَأَئِمَّةِ الْأَمْصَارِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَالْفُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ، يُهْتَدَى بِهِمْ فِي آدَابِهِمْ وَاجْتِهَادَاتِهِمُ الْقَضَائِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ مَعَ مُرَاعَاةِ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، وَلَا نُسَمِّي شَيْئًا مِنْهَا دِينًا نَدِينُ لِلَّهِ بِهِ إِلَّا