فَتَذْكِيرُ اللهِ تَعَالَى إِيَّانَا بِهَذَا الشَّأْنِ مِنْ شُئُونِ الْإِنْسَانِ، وَهَذِهِ السُّنَّةُ الْقَلْبِيَّةُ مِنْ سُنَنِ اللهِ تَعَالَى فِي الْإِرَادَاتِ وَالْأَعْمَالِ، وَأَمْرُهُ إِيَّانَا بِأَنْ نَعْلَمَهَا عِلْمَ إِيقَانٍ وَإِذْعَانٍ، يُفِيدُنَا فَائِدَتَيْنِ لَا يَكْمُلُ بِدُونِهِمَا الْإِيمَانُ، وَهُمَا أَلَّا يَأْمَنَ الطَّائِعُ الْمُشَمِّرُ مِنْ مَكْرِ اللهِ فَيَغْتَرَّ بِطَاعَتِهِ وَيُعْجَبَ بِنَفْسِهِ، وَأَلَّا يَيْأَسَ الْعَاصِي وَالْمُقَصِّرُ فِي الطَّاعَةِ مِنْ رَوْحِ اللهِ، فَيَسْتَرْسِلَ فِي اتِّبَاعِ هَوَاهُ، حَتَّى تُحِيطَ بِهِ خَطَايَاهُ. وَمَنْ لَمْ يَأْمَنْ عِقَابَ اللهِ، وَلَمْ يَيْأَسْ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، يَكُونُ جَدِيرًا بِأَنْ يُرَاقِبَ قَلْبَهُ، وَيُحَاسِبَ نَفْسَهُ عَلَى خَوَاطِرِهِ، وَيُعَاقِبَ نَفْسَهُ عَلَى هَفَوَاتِهِ ; لِتَظَلَّ عَلَى صِرَاطِ الْعَدْلِ الْمُسْتَقِيمِ، مُتَجَنِّبَةً الْإِفْرَاطَ وَالتَّفْرِيطَ، وَيَتَحَرَّى أَنْ يَكُونَ دَائِمًا بَيْنَ خَوْفٍ يَحْجِزُهُ عَنِ الْمَعَاصِي، وَرَجَاءٍ يَحْمِلُهُ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَيُسَاعِدُنَا عَلَى ذَلِكَ (الْأَمْرُ الثَّانِي) وَهُوَ أَنْ نَذْكُرَ حَشْرَنَا إِلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمُحَاسَبَتَهُ إِيَّانَا عَلَى أَعْمَالِنَا الْقَلْبِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ، وَمُجَازَاتَهُ إِيَّانَا عَلَيْهَا إِمَّا بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وَإِمَّا بِالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَهَذَا مِنْهُ مُقْتَضَى الْفَضْلِ، وَذَلِكَ أَثَرُ الْعَدْلِ.