كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَلَهُ وَلِغَيْرِهِ آثَارٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْهُ " أَكْبَرُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْلِفُ :" لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ " وَفِي مَعْنَاهُ أَحَادِيثُ أُخْرَى عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ، وَلِلْمُفَسِّرِينَ وَشُرَّاحِ الْأَحَادِيثِ أَغْلَاطٌ لَفْظِيَّةٌ وَمَعْنَوِيَّةٌ فِي تَفْسِيرِ لَفْظِ الْقَلْبِ، وَفِي تَقْلِيبِ اللهِ تَعَالَى لَهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ اللَّفْظِيُّ مِنْ قَبْلُ، وَمَعْنَى تَقْلِيبِهِ آنِفًا، وَقَوْلُهُمْ إِنَّ اللهَ خَالِقُ الْقُلُوبِ وَمُقَلِّبُهَا حَقٌّ، وَكَذَا أَفْعَالُ الْعِبَادِ كُلُّهَا، وَلَيْسَ بِحَقٍّ مَا عَبَّرَ بِهِ بَعْضُهُمْ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَمْنَعُ الْكَافِرَ بِمَحْضِ قُدْرَتِهِ عَنِ الْإِيمَانِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَفْعَالِ الْخَيْرِ مُبَاشَرَةً، وَيَخْلُقُ فِي قَلْبِهِ وَلِسَانِهِ الْكُفْرَ اعْتِقَادًا وَنُطْقًا خَلْقًا أُنُفًا لَا فِعْلَ لَهُ فِيهِ، فَالْجَمْعُ بَيْنَ الْآيَاتِ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا وَمَا فِي مَعْنَاهَا يُبْطِلُهُ وَيُثْبِتُ الْأَسْبَابَ الِاخْتِيَارِيَّةَ، وَالْقَائِلُونَ بِمَا ذُكِرَ يُثْبِتُونَ قَوْلَ الْقَدَرِيَّةِ، وَيَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَى قَوْلِ الْجَبْرِيَّةِ، فَهُمْ يُؤَيِّدُونَ الْفَاسِدَ بِالْفَاسِدِ وَلَا يَشْعُرُونَ، وَيَمُدُّهُمْ إِخْوَانُهُمُ الصُّوفِيَّةُ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ.


الصفحة التالية
Icon