(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) لِمَنْ خَالَفَ سُنَنَهُ فِي الْأُمَمِ وَالْأَفْرَادِ الَّتِي لَا تَبْدِيلَ لَهَا وَلَا تَحْوِيلَ، وَلِمَنْ خَالَفَ هِدَايَةَ دِينِهِ الْمُزَكِّيَةَ لِلْأَنْفُسِ، وَقَطْعِيَّاتِ شَرْعِهِ الْمَبْنِيَّةَ عَلَى دَرْءِ الْمَفَاسِدِ وَالْمَضَارِّ وَحِفْظِ الْمَصَالِحِ وَالْمَنَافِعِ. وَهَذَا الْعِقَابُ مِنْهُ مَا يَقَعُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمِنْهُ مَا يَقَعُ فِي إِحْدَاهُمَا فَقَطْ، سَوَاءٌ كَانَ لِلْأَفْرَادِ أَوْ لِلْأُمَمِ، وَعِقَابُ الْأُمَمِ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُطَّرِدٌ فِي الدُّنْيَا، وَأَوَّلُ مَنْ أَصَابَهُ مِنْ أُمَّتِنَا الْإِسْلَامِيَّةِ أَهْلُ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ الَّذِينَ كَانُوا خَيْرَهَا بَلْ خَيْرَ الْأُمَمِ كُلِّهَا، وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا قَصَّرُوا فِي دَرْءِ الْفِتْنَةِ الْأُولَى عَاقَبَهُمُ اللهُ عَلَيْهَا عِقَابًا شَدِيدًا كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، وَهَكَذَا تَسَلْسَلَ الْعِقَابُ فِي كُلِّ جِيلٍ وَقَعَ فِيهِ ذَلِكَ، ثُمَّ امْتَزَجَتِ الْفِتَنُ الْمَذْهَبِيَّةُ بِالْفِتَنِ السِّيَاسِيَّةِ الْخَاصَّةِ بِالْخِلَافَةِ وَالسُّلْطَانِ، وَلِهَذَا كَانَتْ فِتْنَةُ الْخِلَافِ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ أَشَدَّ مَصَائِبِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَدْوَمَهَا، فَزَالَتِ الْخِلَافَةُ الَّتِي تَنَازَعُوا عَلَيْهَا، وَتَنَافَسُوا فِيهَا، وَتَقَاتَلُوا لِأَجْلِهَا، وَلَمْ تَزَلْ هِيَ، بَلْ تَزْدَادُ قُوَّةً وَشَبَابًا، وَقَدْ شَرَحْنَا هَذَا الْمَوْضُوعَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ مَجَلَّةِ الْمَنَارِ.


الصفحة التالية
Icon