وَلْيَنْظُرِ الْمُعْتَبِرُ كَيْفَ عَاقَبَ أَبُو لُبَابَةَ نَفْسَهُ تَوْبَةً إِلَى اللهِ تَعَالَى " شَدَّ نَفْسَهُ عَلَى سَارِيَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ وَقَالَ : وَاللهِ لَا أَذُوقُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا حَتَّى أَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ اللهُ عَلَيَّ - فَمَكَثَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لَا يَذُوقُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا حَتَّى خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ ثُمَّ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ فَقِيلَ لَهُ : قَدْ تِيبَ عَلَيْكَ. فَقَالَ : وَاللهِ لَا أَحُلُّ نَفْسِي، حَتَّى يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي يَحُلُّنِي، فَجَاءَهُ فَحَلَّهُ بِيَدِهِ " وَغَزْوَةُ بَنِي قُرَيْظَةَ كَانَتْ بَعْدَ غَزْوَةِ بَدْرٍ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا سُورَةُ الْأَنْفَالِ بِسِنِينَ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِنُزُولِ الْآيَةِ فِي أَبِي لُبَابَةَ أَنَّهَا تَتَنَاوَلُ فَعْلَتَهُ - وَهَذَا التَّعْبِيرُ يَكْثُرُ مِثْلُهُ عَنْهُمْ فِيمَا يُسَمُّونَهُ أَسْبَابَ النُّزُولِ، كَمَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ وَغَيْرُهُ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي قَتْلِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ نَزَلَتْ بَعْدَ نُزُولِ السُّورَةِ فَأُلْحِقَتْ بِهَا بِأَمْرِ اللهِ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمَهْمَا يَكُنْ سَبَبُ النُّزُولِ فَالْآيَةُ عَامَّةٌ تَشْتَمِلُ كُلَّ خِيَانَةٍ، وَلِذَلِكَ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ خِيَانَةَ اللهِ بِتَرْكِ فَرَائِضِهِ وَارْتِكَابِ مَعْصِيَتِهِ، وَالْأَمَانَةَ بِكُلِّ مَا ائْتَمَنَ اللهُ عَلَيْهِ الْعِبَادَ بِأَلَّا يُنْقِصَهَا. رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.


الصفحة التالية
Icon