وقال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ واتقوا فتنةً ﴾
اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال.
أحدها : أنها نزلت في أصحاب النبي ﷺ خاصة، قاله ابن عباس، والضحاك.
وقال الزبير بن العوام : لقد قرأناها زماناً، وما نُرى أنَّا مِن أهلها، فإذا نحن المَعْنِيُّون بها.
والثاني : أنها نزلت في رجلين من قريش، قاله أبو صالح عن ابن عباس، ولم يسمِّهما.
والثالث : أنها عامة، قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس : في هذه الآية، أمر الله المؤمنين أن لا يُقِرُّوا المنكر بين أظهرهم، فيعمهم الله بالعذاب.
وقال مجاهد : هذه الآية لكم أيضاً.
والرابع : أنها نزلت في علي، وعمار، وطلحة، والزبير، قاله الحسن.
وقال السدي : نزلت في أهل بدر خاصة، فأصابتهم يوم الجمل.
وفي الفتنة هاهنا سبعة أقوال.
أحدها : القتال.
والثاني : الضلالة.
والثالث : السكوت عن إنكار المنكر.
والرابع : الاختبار.
والخامس : الفتنة بالأموال والأولاد.
والسادس : البلاء.
والسابع : ظهور البدع.
فأما قوله :﴿ لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ﴾ فقال الفراء : أمرهم، ثم نهاهم، وفيه طرف من الجزاء.
وإن كان نهياً، كقوله :﴿ يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنَّكم سليمان ﴾ [ النمل : ١٨ ] أمرهم، ثم نهاهم ؛ وفيه تأويل الجزاء.
وقال الأخفش :﴿ لا تصيبن ﴾ ليس بجواب، وإنما هو نهي بعد نهي ؛ ولو كان جواباً ما دخلت النون.
وذكر ابن الأنباري فيها قولين.
أحدهما : أن الكلام تأويله تأويل الخبر، إذ كان المعنى : إن لا يتَّقوها، تُصِبْ الذين ظلموا، أي : وغيرهم، أي : لا تقع بالظالمين دون غيرهم، لكنها تقع بالصالحين والطالحين ؛ فلما ظهر الفعل ظهور النهي، والنهي راجع إلى معنى الأمر، إذ القائل يقول : لا تقم، يريد : دع القيام، ووقع مع هذا جواباً للأمر، أو كالجواب له، فأُكِّد له شبه النهي، فدخلت النون المعروف دخولها في النهي وما يضارعه.