وفي صحيح البخاريّ والترمذي عن النعمان بن بشير عن النبيّ ﷺ قال :" مَثَل القائِم على حدود الله والواقِع فيها كمثل قومٍ استَهَمُوا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا اسْتَقَوْا من الماء مروّا على مَن فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نَجَوْا وَنَجَوْا جميعاً " ففي هذا الحديث تعذيب العامة بذنوب الخاصة.
وفيه استحقاق العقوبة بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قال علماؤنا : فالفتنة إذا عُملت هلك الكل.
وذلك عند ظهور المعاصي وانتشار المنكر وعدم التغيير، وإذا لم تُغيَّر وجب على المؤمنين المنكرين لها بقلوبهم هِجران تلك البلدة والهرب منها.
وهكذا كان الحكم فيمن كان قبلنا من الأمم ؛ كما في قصة السّبْت حين هجروا العاصين وقالوا لا نساكنكم.
وبهذا قال السلف رضي الله عنهم.
روى ابن وهب عن مالك أنه قال : تُهجر الأرض التي يصنع فيها المنكر جهاراً ولا يستقر فيها.
واحتج بصنيع أبي الدّرداء في خروجه عن أرض معاوية حين أعلن بالربا، فأجاز بيع سقاية الذهب بأكثر من وزنها.
خرّجه الصحيح.
وروى ابن البخاريّ عن ابن عمر قال قال رسول الله ﷺ :
" إذا أنزل الله بقوم عذاباً أصاب العذاب من كان فيهم ثم بُعثوا على أعمالهم " فهذا يدل على أن الهلاك العامّ منه ما يكون طُهرة للمؤمنين ومنه ما يكون نِقمة للفاسقين.
وروى مسلم عن عبد الله بن الزبير " أن عائشة رضي الله عنها قالت : عَبِث رسول الله ﷺ في منامه، فقلت : يا رسول الله، صنعتَ شيئاً في منامك لم تكن تفعله؟ فقال :"العجبُ، إن ناساً من أمتي يَؤمُّون هذا البيت برجل من قريش قد لجأ بالبيت حتى إذا كانوا بالبيداء خُسف بهم".
فقلنا : يا رسول الله، إن الطريق قد يجمع الناس.


الصفحة التالية
Icon