فصل
قال الفخر :
﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ ﴾
اعلم أنه تعالى لما ذكر المؤمنين نعمه عليهم بقوله :﴿واذكروا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ﴾ [ الأنفال : ٢٦ ] فكذلك ذكر رسوله نعمه عليه وهو دفع كيد المشركين ومكر الماكرين عنه، وهذه السورة مدنية.
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم من المفسرين : إن مشركي قريش تآمروا في دار الندوة ودخل عليهم إبليس في صورة شيخ، وذكر أنه من أهل نجد.
فقال بعضهم : قيدوه نتربص به ريب المنون، فقال إبليس : لا مصلحة فيه، لأنه يغضب له قومه فتسفك له الدماء.
وقال بعضهم أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه لكم، فقال إبليس : لا مصلحة فيه لأنه يجمع طائفة على نفسه ويقاتلكم بهم.
وقال أبو جهل : الرأي أن نجمع من كل قبيلة رجلاً فيضربوه بأسيافهم ضربة واحدة فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل فلا يقوى بنو هاشم على محاربة قريش كلها، فيرضون بأخذ الدية، فقال إبليس : هذا هو الرأي الصواب، فأوحى الله تعالى إلى نبيه بذلك وأذن له في الخروج إلى المدينة وأمره أن لا يبيت في مضجعه وأذن الله له في الهجرة، وأمر علياً أن يبيت في مضجعه، وقال له : تسج ببردتي فإنه لن يخلص إليك أمر تكرهه وباتوا مترصدين، فلما أصبحوا ثاروا إلى مضجعه فأبصروا علياً فبهتوا وخيب الله سعيهم.
وقوله :﴿لِيُثْبِتُوكَ﴾ قال ابن عباس : ليوثقوك ويشدوك وكل من شد فقد أثبت، لأنه لا يقدر على الحركة ولهذا يقال لمن اشتدت به علة أو جراحه تمنعه من الحركة.