﴿ وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾.
أنظر إلى حُسن مساق هاتين الجملتين لما كانت كينونته فيهم سبباً لانتفاء تعذيبهم أكّد خبر كان باللام على رأي الكوفيين أو جعل خبر كان الإرادة المنفية على رأي البصريين وانتفاء الإرادة للعذاب أبلغ من انتفاء العذاب ولما كان استغفارهم دون تلك الكينونة الشريفة لم يؤكد باللام بل جاء خبر ﴿ كان ﴾ قوله معذبهم، فشتّان ما بين استغفارهم وكينونته ( ﷺ ) فيهم والظاهر أن هذه الضمائر كلها في الجمل عائدة على الكفار وهو قول قتادة، وقال ابن عباس وابن أبزي وأبو مالك والضحاك ما مقتضاه : إن الضمير في قوله ﴿ معذّبهم ﴾ عائد على كفار مكة والضمير في قوله وهم عائد على المؤمنين الذين بقوا بعد الرسول ( ﷺ ) بمكة أي وما كان الله ليعذب الكفار والمؤمنون بينهم يستغفرون، قال ابن عطية : ويدفع في صدر هذا القول أنّ المؤمنين الذين ردّ الضمير إليهم لم يجر لهم ذكر، وقال ابن عباس أيضاً ما مقتضاه إنّ الضميرين عائدان على الكفار وكانوا يقولون في دعائهم غفرانك ويقولون لبّيك لا شريك لك ونحو هذا مما هو دعاء واستغفار فجعله الله أمنة من عذاب الدنيا على هذا تركب قول أبي موسى الأشعري وابن عباس إنّ الله جعل من عذاب الدنيا أمنتين كون الرسول ( ﷺ ) مع الناس والاستغفار فارتفعت الواحدة وبقي الاستغفار إلى يوم القيامة.


الصفحة التالية
Icon