وقال أبو السعود :
﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾
جوابٌ لكلمتهم الشنعاءِ وبيانٌ للموجِب لإمهالهم والتوقفِ في إجابة دعائِهم واللامُ لتأكيد النفي والدِلالةِ على أن تعذيبَهم عذابَ استئصالٍ والنبيُّ عليه الصلاة والسلام بين أظهرِهم خارجٌ عن عادته تعالى غيرُ مستقيمٍ في حُكمه وقضائه، والمرادُ باستغفارهم في قوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ الله مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ إما استغفارُ مَنْ بقِيَ منهم من المؤمنين أو قولُهم : اللهم اغفِرْ أو فرضُه على معنى لو استغفروا لم يعذبوا كقوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٤ صـ ﴾
وقال الآلوسى :
﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾
جواب لكلمتهم الشنعاء وبيان لما كان الموجب لإمهالهم وعدم إجابة دعائهم الذي قصدوا به ما قصدوا، واللام هي التي تسمى لام الجحود ولام النفي لاختصاصها بمنف كان الماضية لفظاً أو معنى، وهي إما زائدة أو غر زائدة والخبر محذوف، أي ما كان الله مريداً لتعذيبهم ؛ وأياً ما كان فالمراد تأكيد النفي أما على زيادتها فظاهر وأما على عدم زيادتها وجعل الخبر ما علمت فلان نفي إرادة الفعل أبلغ من نفيه، وقيل : في وجه إفادة اللام تأكيد النفي هنا أنها هي التي في قولهم : أنت لهذه الخطة أي مناسب لها وهي تليق بك، ونفي اللياقة أبلغ من نفي أصل الفعل ولا يخلو عن حسن وإن قيل : إنه تكلف لا حاجة إليه بعد ما بينه النحاة في وجه ذلك، وحمل غير واحد العذاب على عذاب الاستئصال، واعترض بأنه لا دليل على هذا التقييد مع أنه لا يلائمه المقام ؛ وأجب بمنع عدم الملاءمة، بل من أمعن النظر في كلامهم رآه مشعراً بطلب ذلك، والدليل على التقييد أنه وقع عليهم العذاب والنبي ﷺ فيهم كالقحط فعلم أن المراد به عذاب الاستئصال والقرينة علييه تأكيد النفي الذي يصرفه إلى أعظمه، فالمراد من الآية الإخبار بأن تعذيبهم عذاب استئصال، والنبي ﷺ بين أظهرهم خارج عن عادته تعالى غير مستقيم في حكمه وقضائه، والمراد بالاستغفار في قوله سبحانه :﴿ وَمَا كَانَ الله مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ أما استغفار من بقي بينهم من المؤمنين المستضعفين حين هاجر رسول الله ﷺ وروي هذا عن الضحاك واختاره الجبائي، وقال الطيبي : إنه أبلغ لدلالته على استغفار الغير مما يدفع به العذاب عن أمثال هؤلاء الكفرة، وإسناد الاستغفار إلى ضمير الجميع لوقوعه فيما بينهم ولجعل ما صدر عن البعض كما قيل بمنزلة الصادر عن الكل فليس هناك تفكيك للضمائر كما يوهمه كلام ابن عطية.