وقال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ ﴾
سبب نزولها : أنهم كانوا يطوفون بالبيت ويصفِّقون ويَصْفِرُون ويضعون خدودهم بالأرض، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عمر.
فأما المكاء ففيه قولان.
أحدهما : أنه الصَّفير، قاله ابن عمر، وابن عباس، وابن جبير، وقتادة، وأبو عبيدة، والزجاج، وابن قتيبة.
قال ابن فارس : يقال : مكا الطائر [ يمكو ] مُكاءً : إذا صَفَر، ويقال : مَكِيَتْ يده [ تَمكى ] مَكىً، مقصور، أي : غلُظت وخشُنت، ويقال : تمكّى : إذا توضأ.
وأنشدوا :
[ إنَّكَ والجَوْرَ على سبيل ]...
كالمُتَمَكِّي بدمِ القتيلِ
وسئل أبو سلمة بن عبد الرحمن عن المكاء، فجمع كفَّيِه وجعل يَصْفِر فيهما.
والثاني : أنه إدخال أصابعهم في أفواههم يخلطون به وبالتصدية على محمد ﷺ صلاتَه، قاله مجاهد : قال ابن الأنباري : أهل اللغة ينكرون أن يكون المكاء إدخالَ الأصابع في الأفواه، وقالوا : لا يكون إلا الصفير.
وفي التصدية قولان.
أحدهما : أنها التَّصفيق، قاله [ ابن ] عمر، وابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة، والجمهور.
قال ابن قتيبة : يقال : صدَّى : إذا صفَّق بيديه.
قال الراجز :
ضنَّت بخَدٍّ وجَلَت ْعَن خَدِّ...
وأنا مِنْ غَرْوِ الهوى أُصَدِّي
الغرو : العجب، يقال : لا غرو من كذا، أي : لا عجب.
والثاني : أن التصدية : صدُّهم الناس عن البيت الحرام، قاله سعيد بن جبير.
وقال ابن زيد : هو صدُّهم عن سبيل الله ودينه.
وزعم مقاتل أن النبي ﷺ كان إذا صلى في المسجد الحرام، قام رجلان من المشركين من بني عبد الدار عن يمينه فيصفِران، ورجلان عن يساره فيصفِّقان، فتختلط على النبي ﷺ صلاته وقراءته، فقتلهم الله ببدر، فذلك قوله :﴿ فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ﴾ بتوحيد الله.
فإن قيل : كيف سمى المكاءَ والتصديةَ صلاةً؟.


الصفحة التالية
Icon