فَانْظُرُوا إلَى قَوْلِ الْعَالِمِ لَهُ : لَا تَوْبَةَ لَهُ.
فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ أَيْأَسَهُ قَتَلَهُ ؟ فِعْلُ الْيَائِسِ مِنْ الرَّحْمَةِ ؛ وَالتَّنْفِيرُ مَفْسَدَةٌ لِلْخَلِيقَةِ، وَالتَّيْسِيرُ مَصْلَحَةٌ لَهُمْ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا جَاءَ إلَيْهِ رَجُلٌ لَمْ يَقْتُلْ فَسَأَلَهُ : هَلْ لِلْقَاتِلِ تَوْبَةٌ ؟ فَيَقُولُ لَهُ : لَا تَوْبَةَ لَهُ ؛ تَخْوِيفًا وَتَحْذِيرًا.
فَإِذَا جَاءَهُ مَنْ قَتَلَ فَسَأَلَهُ : هَلْ لِقَاتِلٍ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ قَالَ لَهُ : لَك تَوْبَةٌ ؛ تَيْسِيرًا وَتَأْلِيفًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَشْهَبُ، وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : مَنْ طَلَّقَ فِي الشِّرْكِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَا طَلَاقَ لَهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ حَلَفَ فَأَسْلَمَ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ مِثْلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَذَلِكَ مَغْفُورٌ لَهُ.
فَأَمَّا مَنْ افْتَرَى عَلَى مُسْلِمٍ ثُمَّ أَسْلَمَ، أَوْ سَرَقَ ثُمَّ أَسْلَمَ، أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِلْفِرْيَةِ وَالسَّرِقَةِ، وَلَوْ زَنَى وَأَسْلَمَ أَوْ اغْتَصَبَ مُسْلِمَةً ثُمَّ أَسْلَمَ لَسَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ.
وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ : إنَّمَا يَعْنِي عَزَّ وَجَلَّ مَا قَدْ مَضَى قَبْلَ الْإِسْلَامِ مِنْ مَالٍ أَوْ دَمٍ أَوْ شَيْءٍ.
وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ ؛ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ :﴿ إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾، وَقَوْلِهِ :﴿ الْإِسْلَامُ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ﴾.
وَمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ الْمَعْنَى فِي التَّيْسِيرِ وَعَدَمِ التَّنْفِيرِ.