قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، أخبرني عثمان الجريري، عن مقسم مولى ابن عباس، أخبره ابن عباس في قوله :﴿ وإذ يمكر بك ﴾.. قال :" تشاورت قريش ليلة بمكة. فقال بعضهم : إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق - يريدون النبي ﷺ - وقال بعضهم : بل اقتلوه. وقال بعضهم : بل أخروجه. فأطلع الله نبيه ـ ﷺ ـ على ذلك ؛ فبات عليّ - رضي الله عنه - على فراش رسول الله ـ ﷺ ـ وخرج النبي ـ ﷺ ـ حتى لحق بالغار. وبات المشركون يحرسون عليا يحسبونه النبي ـ ﷺ ـ فلما أصبحوا ثاروا إليه ؛ فلما رأوه عليا رد الله تعالى عليهم مكرهم، فقالوا : أين صاحبك هذا؟ قال : لا أدري! فاقتصوا أثره ؛ فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم، فصعدوا في الجبل، فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت، فقالوا : لو دخل هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه.. فمكث فيه ثلاث ليال ".
﴿ ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين ﴾..
والصورة التي يرسمها قوله تعالى :﴿ ويمكرون ويمكر الله ﴾.. صورة عميقة التأثير.. ذلك حين تتراءى للخيال ندوة قريش، وهم يتآمرون ويتذاكرون ويدبرون ويمكرون.. والله من ورائهم، محيط، يمكر بهم ويبطل كيدهم وهم لا يشعرون!
إنها صورة ساخرة، وهي في الوقت ذاته صورة مفزعة.. فأين هؤلاء البشر الضعاف المهازيل، من تلك القدرة القادرة.. قدرة الله الجبار، القاهر فوق عباده، الغالب على أمره، وهو بكل شيء محيط؟
والتعبير القرآني يرسم الصورة على طريقة القرآن الفريدة في التصوير ؛ فيهز بها القلوب، ويحرك بها أعماق الشعور.
ويمضي السياق في وصف أحوال الكفار وأفعالهم ؛ ودعاويهم ومفترياتهم. حتى ليبلغ بهم الادعاء أن يزعموا أن في مقدورهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن لو شاءوا! مع وصف هذا القرآن الكريم، بأنه أساطير الأولين :


الصفحة التالية
Icon