والله - سبحانه - ينذر الكفار الذين ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله بأنها ستعود عليهم بالحسرة.. إنهم سينفقونها لتضيع في النهاية، وليغلبوا هم وينتصر الحق في هذه الدنيا. وسيحشرون في الآخرة إلى جهنم، فتتم الحسرة الكبرى.. ذلك..
﴿ ليميز الله الخبيث من الطيب، ويجعل الخبيث بعضه على بعض، فيركمه جميعاً ؛ فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون ﴾..
فكيف؟
إن هذا المال الذي ينفق يؤلب الباطل ويملي له في العدوان ؛ فيقابله الحق بالكفاح والجهاد ؛ وبالحركة للقضاء على قدرة الباطل على الحركة.. وفي هذا الاحتكاك المرير، تنكشف الطباع، ويتميز الحق من الباطل، كما يتميز أهل الحق من أهل الباطل - حتى بين الصفوف التي تقف ابتداء تحت راية الحق قبل التجربة والابتلاء! - ويظهر الصامدون الصابرون المثابرون الذين يستحقون نصر الله، لأنهم أهل لحمل أماناته، والقيام عليها، وعدم التفريط فيها تحت ضغط الفتنة والمحنة.. عند ذلك يجمع الله الخبيث على الخبيث، فيلقي به في جهنم.. وتلك غاية الخسران..
والتعبير القرآني يجسم الخبيث حتى لكأنه جِرم ذو حجم، وكأنما هو كومة من الأقذار، يقذف بها في النار، دون اهتمام ولا اعتبار!
﴿ فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم ﴾..
وهذا التجسيم يمنح المدلول وقعاً أعمق في الحس.. وتلك طريقة القرآن الكريم في التعبير والتأثير..
وعندما يصل السياق إلى هذا التقرير الحاسم، عن مصير الكفر المتعاون، ونهاية الخبث المتراكم، يتجه بالخطاب إلى رسول الله ـ ﷺ ـ لينذر الكافرين إنذاره الأخير، ويتجه بالخطاب كذلك إلى الجبهة المسلمة يأمرها بالقتال حتى لا تكون في الأرض فتنة، وحتى يكون الدين كله لله، ويطمئن العصبة المسلمة المجاهدة إلى أن الله مولاها ونصيرها، فلا غالب لها من الناس بحرب ولا بكيد، والله وليها الناصر المعين :