وثانيهما : تحطيم كل قوة في الأرض تقوم على أساس عبودية البشر للبشر - في صورة من الصور - وذلك لضمان الهدف الأَول، ولإعلان ألوهية الله وحدها في الأرض كلها، بحيث لا تكون هناك دينونة إلا لله وحده - فالدين هنا بمعنى الدينونة لسلطان الله - وليس هو مجرد الاعتقاد..
ولا بد هنا من بيان الشبهة التي قد تحيك في الصدور من هذا القول، على حين أن الله سبحانه يقول :﴿ لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ﴾ ومع أن فيما سبق تقريره عن طبيعة الجهاد في الإسلام - وبخاصة فيما اقتطفناه من كتاب :" الجهاد في سبيل الله " للأستاذ أبي الأعلى المودودي، ما يكفي للبيان الواضح.. إلا أننا نزيد الأمر إيضاحاً، وذلك لكثرة ما لبس الملبسون ومكر الماكرون من أعداء هذا الدين!
إن الذي يعنيه هذا النص :﴿ ويكون الدين كله لله ﴾.. هو إزالة الحواجز المادية، المتمثلة في سلطان الطواغيت، وفي الأوضاع القاهرة للأفراد، فلا يكون هناك - حينئذ - سلطان في الأرض لغير الله، ولا يدين العباد يومئذ لسلطان قاهر إلا سلطان الله.. فإذا أزيلت هذه الحواجز المادية ترك الناس أفراداً يختارون عقيدتهم أحراراً من كل ضغط. على ألا تتمثل العقيدة المخالفة للإسلام في تجمع له قوة مادية يضغط بها على الآخرين، ويحول بها دون اهتداء من يرغبون في الهدى، ويفتن بها الذين يتحررون فعلاً من كل سلطان إلا سلطان الله.. إن الناس أحرار في اختيار عقيدتهم، على أن يعتنقوا هذه العقيدة أفراداً، فلا يكونون سلطة قاهرة يدين لها العباد. فالعباد لا يدينون إلا لسلطان رب العباد.
ولن تنال البشرية الكرامة التي وهبها لها الله، ولن يتحرر " الإنسان " في " الأرض "، إلا حين يكون الدين كله لله، فلا تكون هنالك دينونة لسلطان سواه.
ولهذه الغاية الكبرى تقاتل العصبة المؤمنة :
﴿ حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ﴾..


الصفحة التالية
Icon