قال ابن المنذر : واختلفوا في النصراني يزني ثم يسلم، وقد شهدت عليه بينة من المسلمين ؛ فحكي عن الشافعيّ رضي الله عنه إذ هو بالعراق لا حدّ عليه ولا تغريب ؛ لقول الله عز وجل :﴿ قُل لِلَّذِينَ كفروا إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ ﴾.
قال ابن المنذر : وهذا موافق لما روي عن مالك.
وقال أبو ثور : إذا أقرّ وهو مسلم أنه زنى وهو كافر أُقيم عليه الحدّ.
وحكي عن الكوفي أنه قال : لا يحدّ.
الرابعة : فأما المرتد إذا أسلم وقد فاتته صلوات، وأصاب جناياتٍ وأتلف أموالاً ؛ فقيل : حكمه حكم الكافر الأصلي إذا أسلم ؛ لا يؤخذ بشيء مما أحدثه في حال ارتداده.
وقال الشافعيّ في أحد قوليه : يلزمه كل حق لله عز وجل وللآدمي ؛ بدليل أن حقوق الآدميين تلزمه فوجب أن تلزمه حقوق الله تعالى.
وقال أبو حنيفة : ما كان لله يسقط، وما كان للآدمي لا يسقط.
قال ابن العربيّ : وهو قول علمائنا ؛ لأن الله تعالى مستغنٍ عن حقه، والآدميّ مفتقر إليه.
ألا ترى أن حقوق الله عز وجل لا تجب على الصبي وتلزمه حقوق الآدميين.
قالوا : وقوله تعالى ؛ ﴿ قُل لِلَّذِينَ كفروا إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ ﴾ عام في الحقوق لله تعالى.
الخامسة : قوله تعالى :﴿ وَإِنْ يَعُودُواْ ﴾ يريد إلى القتال ؛ لأن لفظة "عاد" إذا جاءت مطلقة فإنما تتضمن الرجوع إلى حالة كان الإنسان عليها ثم انتقل عنها.
قال ابن عطية : ولسنا نجد في هذه الآية لهؤلاء الكفار حالة تشبه ما ذكرنا إلا القتال.
ولا يجوز أن يتأوّل إلى الكفر ؛ لأنهم لم ينفصلوا عنه، وإنما قلنا ذلك في "عاد" إذا كانت مطلقة لأنها قد تجيء في كلام العرب داخلة في الابتداء والخبر، فيكون معناها معنى صار ؛ كما تقول : عاد زيد ملِكاً ؛ يريد صار.
ومنه قول أُمية بن أبي الصلت :
تلك المكارمُ لا قَعبانِ من لبن...
شِيبَا بماء فعادا بعدُ أبوالاَ


الصفحة التالية
Icon