فصل
قال الفخر :
﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾
اعلم أنه تعالى لما بين صلاتهم في عباداتهم البدنية، وعباداتهم المالية، أرشدهم إلى طريق الصواب وقال :﴿قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
قال صاحب "الكشاف" :﴿قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ أي قل لأجلهم هذا القول، وهو :﴿إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُمْ﴾ ولو كان بمعنى خاطبهم به لقيل : إن تنتهوا يغفر وقال ابن مسعود هكذا.
المسألة الثانية :
المعنى : أن هؤلاء الكفاء إن انتهوا عن الكفر وعداوة الرسول، ودخلوا الإسلام والتزموا شرائعه غفر الله لهم ما قد سلف من كفرهم وعداوتهم للرسول وإن عادوا إليه وإصروا عليه فقد مضت سنة الأولين.
وفيه وجوه : الأول : المراد فقد مضت سنة الأولين منهم الذين حاق بهم مكرهم يوم بدر.
الثاني : فقد مضت سنة الأولين الذين تحزبوا على أنبيائهم من الأمم الذين قد مروا فليتوقعوا مثل ذلك إن لم ينتهوا.
الثالث : أن معناه أن الكفار إذا انتهوا عن الكفر وأسلموا غفر لهم ما قد سلف من الكفر والمعاصي وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين وهي قوله :﴿كَتَبَ الله لاَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى﴾ [ المجادلة : ٢١ ] ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا﴾ [ الصافات : ١٧١ ] ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ﴿أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصالحون﴾ [ الأنبياء : ١٠٥ ].
المسألة الثالثة :
اختلف الفقهاء في أن توبة الزنديق هل تقبل أم لا ؟ والصحيح أنها مقبولة لوجوه : الأول : هذه الآية، فإن قوله :﴿قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ﴾ يتناول جميع أنواع الكفر.
فإن قيل : الزنديق لا يعلم من حاله أنه هل انتهى من زنذقته أم لا ؟
قلنا : أحكام الشرع مبنية على الظواهر، كما قال عليه السلام :" نحن نحكم بالظاهر " فلما رجع وجب قبول قوله فيه.