وفى التسوية بين المجاهدين، مع اختلافهم فى القوة والضعف، حيث يكون فيهم من يرجح بعشرات الأبطال، على حين يكون فيهم من هو دون ذلك بكثير ـ فى هذه التسوية احتفاء بالجهاد من حيث هو جهاد، وتكريم للمجاهدين من حيث هم على نية الجهاد، وفى ميدان القتال، ومعرض الاستشهاد.. فهذا هو الذي يحكم النّاس فى هذا المجال.. أما فضل بعض المجاهدين على بعض فى البأس والقوة، والنكاية بالعدوّ، فذلك ـ وإن كان له حسابه وجزاؤه ـ إلا أنه لا يصحّ أن يكون بالمكان الذي يجعل من المجاهدين درجات، ومنازل.. فهم جميعا على درجة واحدة، مع تلك النيّات التي انعقدت منهم على الجهاد، ومع هذا الموقف الذي واجهوا فيه الاستشهاد فى سبيل اللّه..
وقد وقع فى نفس بعض المسلمين شىء من هذا، بل ربّما كان ذلك من أقويائهم وضعفائهم على السواء.. حين نظر بعض الأقوياء فرأوا أن فى التسوية بينهم وبين الضعفاء فى الغنائم غبنا لهم من الجانب المادىّ، الذي ربّما ينسحب على الأجر الأخروى.. على حين نظر الضعفاء إلى حظّهم المادىّ الذي تساووا فيه مع الأقوياء، فوقع فى أنفسهم أن ذلك ربّما لا ينسحب على حظهم الأخروى، فلا يكون لهم من الجزاء الأخروى ما لإخوانهم الأقوياء..!
روى أحمد فى مسنده عن سعد بن أبى وقاص، قال : قلت : يا رسول اللّه..
الرجل يكون حامية القوم.. سهمه وسهم غيره سواء.. ؟ فقال :« ثكلتك أمّك ابن أمّ سعد! وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم؟ ».
ثم كان من عمل الرسول بعد أن اتصل التحام المسلمين بالمشركين أن جعل للفارس سهمين : له سهم، ولفرسه سهم.. أما الراجل فله سهم واحد..


الصفحة التالية
Icon