وَحِكْمَةُ تَقْسِيمِ الْخُمُسِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ أَنَّ الدَّوْلَةَ الَّتِي تُدِيرُ سِيَاسَةَ الْأُمَّةِ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مَالٍ تَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَقْسَامٌ : أَوَّلُهَا مَا كَانَ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ كَشَعَائِرِ الدِّينِ، وَحِمَايَةِ الْحَوْزَةِ وَهُوَ مَا جُعِلَ لِلَّهِ فِي الْآيَةِ. وَثَانِيهَا : مَا كَانَ لِنَفَقَةِ إِمَامِهِمْ وَرَئِيسِ حُكُومَتِهَا، وَهُوَ سَهْمُ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِيهَا. وَثَالِثُهَا : مَا كَانَ لِأَقْوَى عَصَبَتِهِ وَأَخْلَصِهِمْ لَهُ، وَأَظْهَرِهِمْ تَمْثِيلًا لِشَرَفِهِ وَكَرَامَتِهِ، وَهُوَ سَهْمُ أُولِي الْقُرْبَى. وَرَابِعُهَا : مَا يَكُونُ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْ ضُعَفَاءِ الْأُمَّةِ وَهُمُ الْبَاقُونَ. وَهَذَا الِاعْتِبَارُ كُلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ لَا يَزَالُ مُرَاعًى، وَمَعْمُولًا بِهِ فِي أَكْثَرِ الدُّوَلِ وَالْأُمَمِ مَعَ اخْتِلَافِ شُئُونِ الِاجْتِمَاعِ وَالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ.
فَأَمَّا الْمَالُ الَّذِي يُرْصَدُ لِهَذِهِ الْمَصَالِحِ فَهُوَ فِي هَذَا الْعَصْرِ أَنْوَاعٌ، يَدْخُلُ كُلُّ نَوْعٍ مِنْهُ فِي مِيزَانِيَّةِ الْوِزَارَةِ الْمَوْكُولِ إِلَيْهَا أَمْرُ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي خُصِّصَ لَهَا الْمَالُ إِنْ كَانَ مِنَ الْأُمُورِ الْجَهْرِيَّةِ، وَإِلَّا وُكِّلَ إِلَى الْمُخَصَّصَاتِ السِّرِّيَّةِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ مِنَ الْأَعْمَالِ الْحَرْبِيَّةِ كَالتَّجَسُّسِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَهُوَ كَثِيرٌ عِنْدَ جَمِيعِ الدُّوَلِ الْعَسْكَرِيَّةِ.


الصفحة التالية
Icon