بِالْغُلُوِّ فِي التَّشَيُّعِ تَفْرِيقَ كَلِمَةِ الْعَرَبِ، وَضَرْبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ لِإِسْقَاطِ مُلْكِهِمْ، وَلَا يَزَالُ هَؤُلَاءِ الْغُلَاةُ يَلْعَنُونَ سَيِّدَنَا عُمَرَ الْخَلِيفَةَ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَزِيدُ آلَ الْبَيْتِ عَلَى الْخُمُسِ، وَيُفَضِّلُهُمْ حَتَّى عَلَى أَوْلَادِهِ، بَلْ لَمَّا كَانَ الدِّينُ هُوَ الْجَامِعُ لِكَلِمَةِ الْعَرَبِ حَاوَلُوا إِفْسَادَهُ أَيْضًا بِغُلُوِّهِمْ وَتَعَالِيمِهِمِ الْبَاطِنِيَّةِ كَمَا فَصَّلْنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ تَفْصِيلًا فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْمَنَارِ، وَكَذَا فِي التَّفْسِيرِ - فَفَقَدَتِ الْأُمَّةُ الْعَرَبِيَّةُ بِعَدَمِ وَضْعِ نِظَامٍ لِلْإِمَامَةِ، وَبِعَدَمِ كَفَالَةِ الدَّوْلَةِ لِآلِ بَيْتِ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وُجُودَ طَائِفَةٍ مُنَظَّمَةٍ تَتَرَبَّى عَلَى آدَابِ الْإِسْلَامِ الْعُلْيَا وَعُلُومِهِ وَتَكَلُّفِ الدِّفَاعَ عَنْهُ، مَعَ اتِّقَاءِ فِتْنَتِهَا بِنَفْسِهَا، وَافْتِتَانِ النَّاسِ بِهَا بِالنِّظَامِ الْكَافِلِ لِذَلِكَ، وَلِذَلِكَ سَهُلَ عَلَى الْأَعَاجِمِ سَلْبُ مُلْكِهَا، وَالْعَبَثُ بِدِينِهَا وَدُنْيَاهَا - وَحُرِمَتْ فَائِدَةَ سِيَادَةِ السَّرَوَاتِ وَالنُّبَلَاءِ، وَلَمْ تَسْلَمْ مِنْ فِتْنَتِهِمْ، فَقَدِ اتَّخَذَ الْمُسْلِمُونَ الْمُبْتَدِعُونَ آلَ الْبَيْتِ أَوْثَانًا، كَمَا اتَّخَذَ الْجَاهِلُونَ وَالْمُنَافِقُونَ وَعُلُوجُ الْأَعَاجِمِ خُلَفَاءَ وَمُلُوكًا، فَجَمَعُوا بَيْنَ شَرَّيْ مَفَاسِدِ الْغُلُوِّ فِي عَظَمَةِ النُّبَلَاءِ (الْأُرُسْتُقْرَاطِيَّةِ) شَرَّهَا الدِّينِيِّ وَشَرَّهَا الدُّنْيَوِيِّ، وَدَاسُوا الْمُسَاوَاةَ الْإِسْلَامِيَّةَ الْمُعْتَدِلَةَ (الدِّيمُقْرَاطِيَّةَ).