فصل


قال الفخر :
﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ ﴾
اعلم أن هذا من جملة النعم التي خص أهل بدر بها وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
العامل في ﴿إِذْ﴾ فيه وجوه : قيل : تقديره اذكر إذ زين لهم، وقيل : هو عطف على ما تقدم من تذكير النعم، وتقديره : واذكروا إذ يريكموهم وإذ زين، وقيل : هو عطف على قوله : خرجوا بطراً ورئاء الناس.
وتقديره : لا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورثاء الناس وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم.
المسألة الثانية :
في كيفية هذا التزيين وجهان : الأول : أن الشيطان زين بوسوسته من غير أن يتحول في صورة الإنسان، وهو قول الحسن والأصم.
والثاني : أنه ظهر في صورة الإنسان.
قالوا : إن المشركين حين أرادوا المسير إلى بدر خافوا من بني بكر بن كنانة، لأنهم كانوا قتلوا منهم واحداً، فلم يأمنوا أن يأتوهم من ورائهم، فتصور لهم إبليس بصورة سراقة بن مالك بن جعشم وهو من بني بكر بن كنانة وكان من أشرافهم في جند من الشياطين، ومعه راية، وقال : لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم مجيركم من بني كنانة، فلما رأى إبليس نزول الملائكة نكص على عقيبه.
وقيل : كانت يده في يد الحرث بن هشام، فلما نكص قال له الحرث : أتخذ لنا في هذه الحال ؟ فقال : إني أرى ما لا ترونا ودفع في صدر الحرث وانهزموا.
وفي هذه القصة سؤالات :
السؤال الأول : ما الفائدة في تغيير صورة إبليس إلى صورة سراقة ؟
والجواب فيه معجزة عظيمة للرسول عليه السلام وذلك لأن كفار قريش لما رجعوا إلى مكة قالوا هزم الناس سراقة، فبلغ ذلك سراقة فقال : والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم.
فعند ذلك تبين للقوم أن ذلك الشخص ما كان سراقة بل كان شيطاناً.
فإن قيل : فإذا حضر إبليس لمحاربة المؤمنين.
ومعلوم أنه في غاية القوة، فلم لم يهزموا جيوش المسلمين ؟


الصفحة التالية
Icon