قال القاضي أبو محمد : وقوله ﴿ على عقبيه ﴾ يبين أنه إنما أراد الانهزام والرجوع في ضد إقباله، وقوله ﴿ إني بريء منكم ﴾ هو خذلانه لهم وانفصاله عنهم، وقوله ﴿ إني أرى ما لا ترون ﴾ يريد الملائكة وهو الخبيث إنما شرط أن لا غالب من الناس فلما رأى الملائكة وخرق العادة خاف وفرَّ، وفي الموطأ وغيره أن رسول الله ﷺ قال :" ما ريء الشيطان في يوم أقل ولا أحقر ولا أصغر منه في يوم عرفة، لما يرى من نزول الرحمة إلا ما رأى يوم بدر، قيل وما رأى يا رسول الله ؟ قال : رأى الملائكة يزعمها جبريل ".
وقال الحسن : رأى إبليس جبريل يقود فرسه بين يدي النبي ﷺ، وهو معتجر ببردة وفي يده اللجام، وقوله ﴿ إني أخاف الله ﴾ قيل إن هذه معذرة منه كاذبة ولم تلحقه قط مخافة، قاله قتادة وابن الكلبي، وقال الزجّاج وغيره : بل خاف مما رأى من الأمر وهوله وأنه يومه الذي أنظر إليه، ويقوي هذا أنه رأى خرق العادة ونزول الملائكة للحرب، وحكى الطبري بسنده أنه لما انهزم المشركون يوم بدر حين رمى رسول الله ﷺ بقبضة من التراب وجوه الكفار أقبل جبريل ﷺ إلى إبليس، فلما رآه إبليس وكانت يده في يد رجل من المشركين انتزع يده ثم ولى مدبراً، فقال له الرجل أي سراقة تزعم أنك لنا جار؟ فقال ﴿ إني أرى ما لا ترون ﴾ الآية، ثم ذهب. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon