وقال الآلوسى :
﴿ إِذْ يُرِيكَهُمُ الله فِى مَنَامِكَ قَلِيلاً ﴾
مقدر باذكر أو بدل من ﴿ يوم الفرقان ﴾ [ الأنفال : ٤١ ] وجوز أن يتعلق ب ﴿ عليم ﴾ [ الأنفال : ٤٢ ] وليس بشيء، ونصب قليلاً على أنه مفعول ثالث عند الأجهوري أو حال على ما يفهمه كلام غيره.
والجمهور على أنه ﷺ أرى ما أرى في النوم وهو الظاهر المتبادر، وحكمة إراءتهم إياه ﷺ وسلم قليلين أن يخبر أصحابه رضي الله تعالى عنهم فيكون ذلك تثبيتاً لهم، وعن الحسن أنه فسر المنام بالعين لأنها مكان النوم كما يقال للقطيفة المنامة لأنها ينام فيها فلم تكن عنده هناك رؤيا أصلاً بل كانت رؤية، وإليه ذهب البلخي ولا يخفى ما فيه لأن المنام شائع بمعنى النوم مصدر ميمي على ما قال بعض المحققين أوفى موضع الشخص النائم على ما في "الكشف" ففي الحمل على خلاف ذلك تعقيد ولا نكتة فيه، وما قيل : إن فائدة العدول الدلالة على الأمن الوافر فليس بشيء لأنه لا يفيد ذلك فالنوم في تلك الحال دليل إلا من لا أن يريهم في عينه التي هي محل النوم، على أن الروايات الجمة برؤيته ﷺ إياهم مناماً وقص ذلك على أصحابه مشهورة لا يعارضها كون العين مكان النوم نظراً إلى الظاهر، ولعل الرواية عن الحسن غير صحيحة فإنه الفصيح العالم بكلام العرب، وتخريج كلامه على أن في الكلام مضافاً محذوفاً أقيم المضاف إليه مقامه أي في موضع منامك مما لا يرتضيه اليقظان أيضاً، والتعبير بالمضارع لاستحضار الصورة الغريبة، والمراد إذا أراكهم الله قليلاً ﴿ وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ ﴾ أي لجبنتم وهبتم الإقدام، وجمع ضمير الخطاب في الجزاء مع إفراده في الشرط إشارة كما قيل : إلى أن الجبن يعرض لهم لا له ﷺ إن كان الخطاب للأصحاب فقط وإن كان للكل يكون من إسناد ما للأكثر للكل ﴿ ولتنازعتم فِى الأمر ﴾ أي أمر القتال وتفرقت آراؤكم في الثبات والفرار ﴿ ولكن الله سَلَّمَ ﴾ أي أنعم بالسلامة من الفشل والتنازع.