وقال ابن عاشور :
﴿ إذ يريكهم الله ﴾ بدل من قوله :﴿ إذ أنتم بالعدوة الدنيا ﴾ [ الأنفال : ٤٢ ] فإنّ هذه الرؤيا ممّا اشتمل عليه زمان كونهم بالعدوة الدنيا لوقوعها في مدّة نزول المسلمين بالعدوة من بدر، فهو بدل من بدل.
والمنام مصدر ميمي بمعنى النوم، ويطلق على زمن النوم وعلى مكانه.
ويتعلق قوله :﴿ في منامك ﴾ بفعل ﴿ يريكهم ﴾، فالإراءة إراءة رؤيا، وأسندت الإراءة إلى الله تعالى ؛ لأنّ رؤيا النبي ﷺ وحي بمدلولها، كما دلّ عليه قوله تعالى، حكاية عن إبراهيم وابنه ﴿ قال يا بُنَيّ إنّيَ أرى في المنام أنِّي أذْبَحُك فانْظُر ماذا ترى قال يا أبَتتِ افعل ما تؤمر ﴾ [ الصافات : ١٠٢ ] فإنّ أرواح الأنبياء لا تغلبها الأخلاط، ولا تجول حواسهم الباطنة في العبث، فما رؤياهم إلاّ مكاشفات روحانية على عالم الحقائِق.
وكان النبي ﷺ قد رأى رؤيا مناممٍ، جيشَ المشركين قليلاً، أي قليل العَدد وأخبر برؤياه المسلمين فتشجّعوا للقاء المشركين، وحملوها على ظاهرها، وزال عنهم ما كان يخامرهم من تهيّب جيش المشركين.
فكانت تلك الرؤيا من أسباب النصر، وكانت تلك الرؤيا منّة من الله على رسوله والمؤمنين، وكانت قِلة العدد في الرؤيا رَمزاً وكناية عن وهن أمر المشركين لا عن قلّة عددهم.
ولذلك جعلها الله في رؤيا النوم دون الوحي، لأنّ صور المَرائي المنامية تكَون رموزاً لمعان فلا تُعَدُّ صورتها الظاهرية خلفاً، بخلاف الوحي بالكلام.
وقد حكاها النبي ﷺ للمسلمين، فأخذوها على ظاهرها، لعلمهم أنّ رؤيا النبي وحي، وقد يكون النبي قد أطلعه الله على تعبيرها الصائِب، وقد يكون صرفه عن ذلك فظنّ كالمسلمين ظاهرها، وكلّ ذلك للحكمة.


الصفحة التالية
Icon