﴿في أعينهم﴾ قبل اللقاء ليجترئوا على مصادمتكم حتى قال أبو جهل : إنما هم أكلة جزور، ثم كثركم في أعينهم حين المصادفة حتى انهزموا حين فاجأتهم الكثرة فظنوا الظنون ؛ قال الحرالي : قللهم حين لم يرهم أياهم على الإراءة - الحقيقية العشرية، ولا أراهم أياهم على الصورة الحسية ؛ فكان ذلك أية للمؤمنين على قراءة ياء الغائب - أي في آل عمران - وكانت آية للكفار على قراءة ﴿ترونهم﴾ - بتاء الخطاب، فكان في ذلك في إظهار الإراءة في اعين الفئتين نحو مما كان من الإراءتين الواقعة بين موسى عليه السلام والسحرة في أن موسى عليه السلام ومن معه خيل إليهم من سحرهم أنها تسعى وأن فرعون ومن معه رأوا ثعباناً مبيناً يلقف ما يأفكون رؤية حقيقة، فتناسب ما بين الأيات الماضية القائمة لهذه الآية بوجه ما، وكان هذه الآية أشرف وألطف بما هي في مدافعة بغير آلة من عصى ولا حبل في ذوات الفئتين وإحساسهم - انتهى.
ولما ذكر ما أحاله سبحانه من إحساس الفئتين، علله بقوله :﴿ليقضي الله﴾ أي الذي له العزة البالغة والحكمة الباهرة من نصركم وخذلانهم بأن تفاجئهم كثرتكم بعد رؤيتكم قليلاً فيشجعهم ذلك، ويهزمهم ﴿أمراً كان مفعولاً﴾ أي من إعجالهم - بما فجعهم من الكثرة بعد القلة - عن الحذر والاستعداد لذلك وبما فعل بأيديكم في هذه الغزوة من القتل والأسر والهزيمة المثمر لذل جميع أهل الكفر، كان مقدراً في الأزل فلا بد من وقوعه على ما حده لأنه لا راد لأمره ولا يبدل القول لديه، فعل ذلك كله وحده.
ولما كان التقدير : فبيده سبحانه ابتداء الأمور بتقديره أياها في الأزل لا بيد أحد غيره، عطف عليه قوله :﴿وإلى الله﴾ أي الملك الأعلى الذي بيده وحده كل أمر ﴿ترجع الأمور﴾ أي كلها فلا ينفذ إلا ما يريد إنفاذه، فلا تجري الأمور على ما يظنه العباد، وهو من قولك : هذا الأمر راجع إليك، أي مهما أردته فيه مضى، ولو فرض أن غيرك عالجه لم يؤثر فيه ؛ ولا يزال كذلك حتى يرجع إليك فيمضي، فالحاصل أن فيه قوة الرجوع بهذا الاعتبار وإن لم يكن هناك رجوع بالفعل، وفي هذا تنبيه على أن أمور الدنيا غير مقصودة لذواتها، وإنما المراد منها ما يصلح أن يكون زاداً ليوم المعاد. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٢٢٢ ـ ٢٢٣﴾


الصفحة التالية
Icon