وقال ابن عاشور :
﴿ كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ﴾
﴿ كَدَأْبِ ﴾ خبر مبتدأ محذوف، وهو حذف تابع للاستعمال في مثله، فإنّ العرب إذا تَحَدَّثوا عن شيء ثم أتَوا بخبر دون مبتدأ عُلم أنّ المبتدأ محذوف، فقُدّر بما يدل عليه الكلام السابق.
فالتقدير هنا : دأبُهم كدَأب آلِ فرعون والذين من قبلهم، أي من الأمم المكذّبين برسل ربّهم، مثل عاد وثمود.
والدأب : العادة والسيرة المألوفة، وقد تقدّم مثله في سورة آل عمران.
وتقدّم وجه تخصيص آل فرعون بالذكر.
ولا فرق بين الآيتين إلاّ اختلاف العبارة، ففي سورة [ آل عمران : ١١ ] ﴿ كذبوا بآياتنا ﴾ وهنا ﴿ كفروا بآيات الله ﴾، وهنالك ﴿ والله شديد العقاب ﴾ [ آل عمران : ١١ ] وهنا ﴿ إن الله قوي شديد العقاب ﴾.
فأمّا المخالفة بين ﴿ كذبوا ﴾ [ آل عمران : ١١ ] و ﴿ كفروا ﴾ فلأنَّ قوم فرعون والذين من قبلهم شاركوا المشركين في الكفر بالله وتكذيب رسله، وفي جحد دلالة الآيات على الوحدانية وعلى صدق الرسول ﷺ فذُكِروا هنا ابتداء بالأفظع من الأمرين فعبّر بالكفر بالآيات عن جحد الآيات الدالّة على وحدانية الله تعالى، لأنّ الكفر أصرح في إنكار صفات الله تعالى.
وقد عقبت هذه الآية بالتي بعدها، فذكر في التي بعدها التكذيب بالآيات، أي التكذيب بآيات صدق الرسول عليه الصلاة والسلام، وجَحد الآيات الدالّة على صدقه.
فأمّا في سورة آل عمران [ ١١ ] فقد ذكر تكذيبهم بالآيات، أي الدالّة على صدق الرسول ﷺ لأنّ التكذيب متبادر في معنى تكذيب المخبِر، لوقوع ذلك عقب ذكر تنزيل القرآن وتصديق من صدق به، وإلحاد من قصد الفتنة بمتشابهه، فعبّر عن الذين شابَهوهم في تكذيب رسولهم بوصف التكذيب.


الصفحة التالية
Icon