ولما أشار بالتعبير به إلى أنه غرهم معاملته بالعطف والإحسان، قال :﴿فأهلكناهم﴾ أي جميعاً ﴿بذنوبهم وأغرقنا﴾ فأتى بنون العظمه إشارة إلى أنه أتاهم بما أنساهم ذلك البر ﴿آل فرعون﴾ وإشارة إلى أنهم نسوا أن الرب كما أنه يتصف بالرحمة فلا بد أن يتصف بالعظمة والنقمة وإلا لم تتم ربوبيته، وهذا واضح مما تقدم في الأعراف عن التوراة في شرح ﴿فأرسلنا عليهم الطوفان﴾ [ الأعراف : ١٣٣ ] - إلى آخرها، من أن فرعون كان يسأل موسى عليه السلام عند كل نازلة الدعاء برفعها معتلاً بأن الرب ذو حلم وأناة ورحمة، وقدم الأولى إشارة إلى أنهم بلغوا الغاية في الجرأة، والتعبير فيها ب ﴿كفروا﴾ يؤيد لذلك، أي أن مجرد الستر للآيات بالإعراض عنها كافٍ في إيجاب الانتقام ولو لم يصرح بتكذيب لعظم المقام، ومادة كفر - بأيّ ترتيبة كان - تدور على الخلطة المميلة المحيلة، وبخصوص هذا الترتيب تدور على الستر، أي غطوا التصديق بآيات ربهم، ويجوز - وهوالأحسن - أن يكون دورانها - مطلقاً لا بقيد ترتيب - على الفكر، وهو إرسال عين البصيرة في طلب أمر ويلزمه الكشف والستر لأنه تارة يرفع أذيال الشبه عن ذلك الأمر فينجلي ويتحقق، وتارة يسلط قواطع الأدلة عليه فينعدم ويتمحق، وربما أرخى أذيال الشبه عليه فأخفى بعد أن كان جلياً كما كان شمرها عنه فألقى وقد كان خفياً.
ولما أخبر سبحانه بهلاكهم، أخبر بالوصف الجامع لهم بالهلاك فقال :﴿وكل﴾ أي من هؤلاء ومن تقدمهم من آل فرعون ومن قبلهم ﴿كانوا﴾ أي جبلة وطبعاً ﴿ظالمين﴾ أي لأنفسهم وغيرهم واضعين الآيات في غير مواضعها وهم يظنون بأنفسهم العدل. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٢٣١ ـ ٢٣٢﴾