وَيُؤَيَّدُ الْقَوْلُ الظَّاهِرُ بِأَنَّ هَذَا فِي عَذَابِ الْآخِرَةِ بَقِيَّةُ قَوْلِهِمْ لَهُمْ : ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ أَيْ : ذَلِكَ الْعَذَابُ الَّذِي ذُقْتُمْ وَتَذُوقُونَ بِسَبَبِ مَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ فِي الدُّنْيَا فَقَدَّمْتُمُوهُ إِلَى الْآخِرَةِ مَنْ كُفْرٍ وَظُلْمٍ، وَهُوَ يَشْمَلُ الْقَوْلَ وَالْعَمَلَ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ عَمَلِ الْأَيْدِي أَوِ الْأَرْجُلِ أَوِ الْحَوَاسِّ أَوْ تَدْبِيرِ الْعَقْلِ - كُلُّ ذَلِكَ يُنْسَبُ إِلَى عَمَلِ الْأَيْدِي تَوَسُّعًا وَتَجَوُّزًا، وَأَصْلُهُ أَنَّ أَكْثَرَ الْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ تُزَاوَلُ بِهَا. وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ أَيْ : وَبِأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْعَذَابُ ظُلْمًا مِنْهُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ وُقُوعِ سَبَبِهِ مِنْ كَسْبِ أَيْدِيكُمْ، وَلَكِنْ سَبَبُ ذَلِكَ مِنْكُمْ ثَابِتٌ قَطْعًا، كَمَا أَنَّ وُقُوعَ الظُّلْمِ مِنْهُ لِعَبِيدِهِ مُنْتَفٍ قَطْعًا، فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمُ الظَّالِمِينَ لِأَنْفُسِكُمْ قَطْعًا، فَلُومُوهَا فَلَا لَوْمَ لَكُمْ إِلَّا عَلَيْهَا. وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ الَّذِي يَرْوِيهِ الرَّسُولُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَنْ رَبِّهِ " يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَّالَمُوا " إِلَخْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ وَالْحَقُّ أَنَّ الظُّلْمَ حَقِيقَةٌ، وَأَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْهُ كَتَنَزُّهِهِ عَنْ سَائِرِ النَّقَائِصِ،