وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيهَا : كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا (٣ : ١١) وَالنُّكْتَةُ فِي هَذَا التَّكْرَارِ بَيَانُ أَنَّهُ سُنَّةُ اللهِ فَاطَّرَدَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ أَنَّ آيَةَ آلِ عِمْرَانَ فِي الْكُفَّارِ الْمَغْرُورِينَ بِكَثْرَةِ أَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ، الْمُحْتَقِرِينَ لِلرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ مِنْ ضُعَفَاءِ الْمُؤْمِنِينَ بِفَقْرِهِمْ وَضَعْفِ عَصَبِيَّتِهِمُ النَّسَبِيَّةِ، وَأَمَّا آيَةُ الْأَنْفَالِ فَهِيَ فِي الْكُفَّارِ الْمَغْرُورِينَ بِقُوَّتِهِمْ وَبَأْسِهِمْ، الْمُحْتَقِرِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِفَقْدِ ذَلِكَ وَهِيَ سَابِقَةٌ فِي النُّزُولِ.
ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ، أَيْ : ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرَ مِنْ أَخْذِهِ تَعَالَى لِقُرَيْشٍ بِكُفْرِهَا لِنِعَمِ اللهِ عَلَيْهَا، الَّتِي أَتَمَّهَا بِبَعْثِهِ خَاتَمَ رُسُلِهِ مِنْهُمْ، كَأَخْذِهِ لِلْأُمَمِ قَبْلَهُمْ بِذُنُوبِهِمْ، مُؤَيِّدٌ بِأَمْرٍ آخَرَ يَتِمُّ بِهِ عَدْلُهُ تَعَالَى وَحِكْمَتُهُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِهِ، وَلَا مُقْتَضَى رِسَالَتِهِ أَنْ يُغَيِّرَ نِعْمَةً مَا أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا هُمْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ مِنَ الْأَحْوَالِ الَّتِي اسْتَحَقُّوا بِهَا تِلْكَ النِّعْمَةَ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ سَمِيعٌ لِأَقْوَالِهِمْ عَلِيمٌ بِأَحْوَالِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ مُحِيطٌ بِمَا يَكُونُ مِنْ كُفْرِهِمْ لِلنِّعْمَةِ فَيُعَاقِبُهُمْ عَلَيْهِ.
(فَصْلٌ فِي بَيَانِ سُنَّتِهِ تَعَالَى فِي تَغْيِيرِ أَحْوَالِ الْأُمَمِ)