﴿ إِن يَكُن مّنكُمْ عِشْرُونَ صابرون يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ ﴾ وعدٌ كريمٌ منه تعالى بتغليب كلِّ جماعةٍ من المؤمنين على عشرة أمثالِهم بطريق الاستئنافِ بعد الأمر بتحريضهم، وقوله تعالى :﴿ وَإِن يَكُنْ مّنكُمْ مّاْئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا ﴾ مع انفهام مضمونِه مما قبله لكون كل منهما عدةً بتأييد الواحدِ على العشرة لزيادة التقريرِ المفيدةِ لزيادة الاطمئنان على أنه قد يجري بين الجمعين القليلين ما لا يجري بين الجمعين الكثيرين مع أن التفاوتَ فيما بين كلَ من الجمعين القليلين والكثيرين على نسبة واحدة فبيّن أن ذلك لا يتفاوت في الصورتين وقوله تعالى :﴿ مّنَ الذين كَفَرُواْ ﴾ بيانٌ للألف وهذا القيدُ معتبرٌ في المِائتين أيضاً وقد تُرك ذكرُه تعويلاً على ذكره هاهنا كما ترك قيدُ الصبر هاهنا مع كونه معتبراً حتماً ثقةً بذكره هناك ﴿ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ ﴾ متعلق بيغلبوا أي بسبب أنهم قومُ جَهلةٌ بالله تعالى وباليوم الآخر لا يقاتلون احتساباً وامتثالاً بأمر الله تعالى وإعلاءً لكلمته وابتغاءً لرضوانه كما يفعله المؤمنون وإنما يقاتلون للحمية الجاهليةِ واتّباعِ خطواتِ الشيطانِ وإثارةِ ثائرةِ البغي والعُدوانِ فلا يستحقون إلا القهرَ والخِذلانَ، وأما ما قيل من أن مَنْ لا يؤمن بالله واليوم الآخِر لا يؤمن بالميعاد فالسعادةُ عنده ليست إلا هذه الحياة الدنيوية فيشِحّ بها ولا يعرِّضها للزوال بمزاولة الحروبِ واقتحامِ مواردِ الخطوب فيميل إلى ما فيه السلامةُ فيفِر فيُغلب، وأما من اعتقد أن لا سعادةَ في هذه الحياة الفانية وإنما السعادةُ هي الحياةُ الباقيةُ فلا يبالي بهذه الحياةِ الدنيا ولا يقيم لها وزناً فيُقدم على الجهاد بقلب قوي وعزمٍ صحيحٍ فيقوم الواحدُ من مثله مقامُ الكثير فكلامٌ حقٌّ لكنه لا يلائم المقام. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٤ صـ ﴾