وقال الشافعيّ رحمه الله : لا تجوز مهادنة المشركين أكثر من عشر سنين، على ما فعل النبي ﷺ عام الحديبية ؛ فإن هودن المشركون أكثر من ذلك فهي منتقضة، لأن الأصل فرض قتال المشركين حتى يؤمنوا أو يعطوا الجزية.
وقال ابن حبيب عن مالك رضي الله عنه : تجوز مهادنة المشركين السنة والسنتين والثلاث، وإلى غير مدة.
قال المهلّب : إنما قاضاهم النبيّ ﷺ هذه القضية التي ظاهرها الوهن على المسلمين ؛ لسبب حبس الله ناقة رسولِ الله ﷺ عن مكة، حين توجه إليها فبركت.
وقال :" حبسها حابس الفيل " على ما خرّجه البخاريّ من حديث المِسْوَر بن مِخْرمة.
ودلّ على جواز صلح المشركين ومهادنتهم دون مالٍ يؤخذ منهم، إذ رأى ذلك الإمام وجهاً.
ويجوز عند الحاجة للمسلمين عقد الصلح بمالٍ يبذلونه للعدوّ : لموادعة النبيّ ﷺ عُيينة بن حِصْن الفَزَارِيّ، والحارث بن عوف المُرِّيّ يوم الأحزاب، على أن يعطيهما ثلث ثمر المدينة، وينصرفا بمن معهما من غطفان ويخذلا قريشاً، ويرجعا بقومهما عنهم.
وكانت هذه المقالة مراوضة ولم تكن عقداً.
فلما رأى رسول الله ﷺ منهما أنهما قد أنابا ورضيا استشار سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ؛ فقالا :" يا رسول الله، هذا أمر تحبه فنصنعه لك، أو شيء أمرك الله به فنسمع له ونطيع ؛ أو أمر تصنعه لنا؟ فقال :"بل أمر أصنعه لكم فإن العرب قد رمتكم عن قوس واحدة" " ؛ فقال له سعد بن معاذ : يا رسول الله ؛ والله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وما طمِعوا قطُّ أن ينالوا منا ثمرة، إلاَّ شراء أو قِرًى ؛ فحين أكرمنا الله بالإسلام، وهدانا له وأعزّنا بك، نعطيهم أموالنا! والله لا نعطيهم إلاَّ السيف، حتى يحكم الله بيننا وبينهم.