وقال ابن عاشور :
﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) ﴾
لمّا كان طلب السلم والهدنة من العدوّ قد يكون خديعة حربية، ليَغرُّوا المسلمين بالمصالحة ثمّ يأخذوهم على غرّة، أيقظ الله رسوله لهذا الاحتمال فأمره بأن يأخذ الأعداء على ظاهر حالهم، ويحملهم على الصدق، لأنّه الخُلق الإسلامي، وشأن أهل المُروءة، ولا تكون الخديعة بمثل نكث العهد، فإذا بعث العدوَّ كفرُهم على ارتكاب مثل هذا التسفّل، فإنّ الله تكفّل، للوفي بعهده، أن يقيه شرّ خيانة الخائنِين.
وهذا الأصل، وهو أخذ الناس بظواهرهم، شعبة من شعب دين الإسلام قال تعالى :﴿ فأتموا إليهم عهدهم إلى مدّتهم إن الله يحب المتقين ﴾ [ التوبة : ٤ ] وفي الحديث : آية المنافق ثلاث، منها : وإذا وعد أخلف.
ومن أحكام الجهاد عن المسلمين أن لا يخفر للعدوّ بعهد.
والمعنى : إنْ كانوا يريدون من إظهار ميلهم إلى المسالمة خديعةً فإنّ الله كافيك شرّهم.
وليس هذا هو مقام نبذ العهد الذي في قوله :﴿ وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء ﴾ [ الأنفال : ٥٨ ] فإنّ ذلك مقام ظهور أمارات الخيانة من العدوّ، وهذا مقام إضمارهم الغدر دون أمارة على ما أضمروه.
فجملة :﴿ فإن حسبك الله ﴾ دلّت على تكفّل كفايته، وقد أريد منه أيضاً الكناية عن عدم معاملتهم بهذا الاحتمال، وأن لا يتوجّس منه خيفة، وأنّ ذلك لا يضرّه.
والخديعة تقدّمت في قوله تعالى :﴿ يخادعون الله ﴾ من سورة [ البقرة : ٩ ].
وحسب معناه كاف وهو صفة مشبّهة بمعنى اسم الفاعل، أي حاسبك، أي كافيك وقد تقدّم قوله تعالى :﴿ وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾ في سورة [ آل عمران : ١٧٣ ].
وتأكيد الخبر بـ ( إنْ ) مراعى فيه تأكيد معناه الكنائي، لأنّ معناه الصريح ممّا لا يشكّ فيه أحد.


الصفحة التالية
Icon